التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً
٨٦
إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً
٨٧
-الإسراء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ }؛ أي لو شِئْنا لَمَحَونَا القرآنَ من القلوب والكتُب، وأنسَيْنَا ذكرَهُ كَيلاَ يوجدَ له أثرٌ، { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً }؛ تتوكَّلُ عليه في ردِّ شيءٍ منهُ، وقولهُ تعالى: { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }؛ أي لكِنْ لا نشاءُ ذلك إلا رحمةً من ربك، فأثبتَ ذلك في قلبكَ وقلوب المؤمنين. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }؛ أي حيث اختارَكَ للنبوَّةِ، واصطفاكَ للرسالةِ، وخصَّكَ بالوحيِ والقرآن، وجعلَكَ سيِّدَ ولدِ آدمَ، وختمَ بكَ الأنبياءَ، وأعطاكَ المقامَ المحمودَ.
وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:
"أنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأسِ مِنْ وَجَعٍ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمَدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ، مَا هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي تَكْتُبُونَ؟ أكِتَابٌ غَيْرُ كِتَاب اللهِ، كُلُّ مَنْ كَتَبَ كِتَاباً غَيْرَ كِتَاب اللهِ يُوشِكُ أنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهِ لِكِتَابهِ، وَلاَ يَدَعُ وَرَقاً وَلاَ قَلْباً إلاَّ أُخِذ مِنْهُ قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: مَنْ أرَادَ اللهُ بهِ خَيْراً بَقِيَ فِي قَلْبهِ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ" .
وعن عبدِالله بن مسعودٍ: (إنَّ أوَّلَ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الصَّلاَةَ، وَلَيُصَلِّيَنَّ أَقْوَامٌ ولاَ دِينَ لَهُمْ، وَإنَّ هَذا الْقُرْآنَ لَيُصْبحَنَّ وَمَا فِيكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ) فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ يَا أبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ وَقَدْ أتْقَنَّاهُ فِي قُلُوبنَا، وَأثْبَتْنَاهُ فِي مَضَاجِعِنَا، نُعَلِّمُهُ أبَاءَنَا وَأبْنَاءَنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: (يَسْرِي بهِ فِي لَيْلَةٍ فَيَذْهَبُ مَا فِي الْمَصَاحِفِ وَمَا فِي الْقُلُوب. وقرأ عبدُالله: { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ }).
وعن عبدِالله قالَ: (أكْثِرُواْ الطَّوَافَ بالْبَيْتِ قَبْلَ أنْ يُرْفَعَ وَتَبْنِي النَّاسُ مَكَانَهُ، وَأكْثِرُواْ مِنْ تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ قَبْلَ أنْ يُرْفَعَ) فَقِيلَ: هَذِهِ الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ، فَكَيْفَ بمَا فِي صُدُور الرِّجَالِ؟ قَالَ: (يَسْرِي عَلَيْهِ لَيْلاً فَتُصْبحُواَ مِنْهُ فُقَرَاءَ، وَتَنْسَوْنَ قَوْلَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَتَقَعُونَ فِي قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأشْعَارهِمْ).
وعن عبدِالله بن عَمروٍ قال: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ بهِ، لَهُ دَويٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: مَا بَالُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَب مِنْكَ خَرَجْتُ وَإلَيْكَ أعُودُ، أُتْلَى وَلاَ يُعْمَلُ بي).