التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
٩٧
ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٩٨
-الإسراء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ }؛ أي من يُوَفِّقْهُ اللهُ لدينهِ بالطاعة فهو المهتدي، { وَمَن يُضْلِلْ }؛ أي مَن يخذُلْهم عن دينهِ، { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ }؛ يَهدُونَهم من دون الله. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً }؛ عما يسُرُّهم، { وَبُكْماً }؛ عما ينفعُهم، { وَصُمّاً }؛ عما يَمنَعُهم.
وَقِيْلَ: يُحشَرون في أول الحشرِ عُمياً وبُكماً وصُمّاً على هذه الصفةِ، ثم تزولُ هذه الصفات عنهم فيَرَونَ ويتكلَّمون ويسمعون كما قَالَ اللهُ تَعَالَى:
{ { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ } [الكهف: 53] وقال { { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12] وقال { { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [الفرقان: 13]. ويقالُ: إنه لَمْ يُرِدْ بالحشرِ في هذه الآية الحشرَ عن القبرِ، وإنما أرادَ به الحشرَ عن موضعِ الْمُحاسَبَة، فإنَّهم يُسحَبُونَ عن ذلك الموضعِ على وجُوهِهم على هذه الصِّفاتِ. وعن أنسٍ: "أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: إنَّ الَّذِي أمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيهِ عَلَى وَجْهِهِ" .
وعن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أصْنَافٍ: صِنْفٌ مُشَاةٌ، وَصِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ قِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: إنَّ الَّذِي أمْشَاهُمْ عَلَى أرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، يَتَّقُونَ بوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ" .
قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ }؛ أي مَصيرُهم إليها. وقولهُ تعالى: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }؛ أي كلَّما سَكَنَ لَهبُها من جانبٍ زدنَاها اشْتِعَالاً من جانبٍ آخر، يقالُ للنار اذا سَكَنَ لَهبُها: خَمَدَتْ، فَإذا أُطْفِئَتْ ولَمْ يبقَ فيها شيءٌ من النارِ قِيْلَ: هَمَدَتْ، وقال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى { خَبَتْ } أيْ سَكَنَتْ)، وقال مجاهدُ: (طُفِئَتْ)، وقال قتادةُ: (لاَنَتْ وَضَعُفَتْ)، وقولهُ تعالى: { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } أي وَقُوداً.
ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى لماذا يزدَادُون سَعيراً، فقال تعالى: { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا }؛ أي ذلك العذابُ جزاءُ كُفرِهم بدلاَئِلنا، وإنكارِهم للبعثِ، وهو قولُهم: { وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }.