التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً
١٦
فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً
١٧
قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً
١٨
-مريم

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً }؛ أي اذْكُرْ يا مُحَمَّدُ في القُرْآنِ خَبَرَ مريَمَ؛ لتعتبرَ الناسُ بدِينها وصلاحِها، والمعنى اذْكُرْ خبَرَها لأهلِ مكَّة. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } أي تَنَحَّتْ من أهلِها، وتفرَّدت مِمَّن كانوا معَها في الدارِ إلى مكانٍ في جانب الشَّرق، جلست فيهِ؛ لأنَّها كانت في الشِّتاء، فجلست في مَشْرَقَةِ الشمسِ.
وقال عكرمةُ: (أرَادَتِ الْغُسْلَ مِنَ الْحَيْضِ، فَتَحَوَّلَتْ إلَى مَشْرَقَةِ دَارِهِمْ لِلْغُسْلِ) { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً }؛ أي مِن دون أهلِها سِتْراً لئلاَّ يرَوها، فَـ؛ بينما هي في مشرقة الدار تغتسلُ من الحيضِ، { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا }، أي دخلَ عليها جبريل عليه السلام بعد ما فرغت من الاغتسالِ في صورة شابٍّ أمردَ حسنِ الوجه جَعْدَ الشعرِ، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }؛ وإنَّما أرسلَ اللهُ جبريلَ في صورة البشرِ؛ لتثبت مريَمَ وتقدرَ على استماعِ كلامه.
قال ابنُ عبَّاس: (فَلَمَّا رَأتْ مَرْيَمُ جِبْرِيلَ تَقَصَّدَ نَحْوَهَا نَادَتْهُ مِنْ بَعِيْدٍ)، { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }؛ أي إنْ كنتَ تقيّاً مُخلصاً مطيعاً، فستنتهي لتعوذِي بالله منكَ، وَقِيْلَ: إنَّ تقيّاً كان رجُلاً من أمثلِ الناسِ في ذلك الزمان، فقالت: إن كنتَ في الصلاحِ مثل التقيِّ، فإنِّي أعوذُ بالرَّحمنِ منكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } أي جبريلَ عليه السلام، خُصَّ بالإضافةِ إلى اللهِ تعالى تشريفاً له، وسُمِّي روحاً؛ لأن الناسَ يَحْيَوْنَ بما جاء في أديانِهم، كما يحيون بأرواحِ أبدانِهم.