التفاسير

< >
عرض

وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ
١٢٤
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }؛ أي اختبرهُ بما بعده من السُّنن؛ وهي عشرُ خصال: خمسٌ في الرأسِ: وهي المضمضمةُ؛ والاستنشاقُ والسِّواك؛ وقصُّ الشارب؛ وفَرْقُ الرأسِ. وخمسٌ في الجسدِ: التقليمُ؛ والخِتَان؛ والاستنجاءُ بالماءِ؛ وحلقُ العَانَةِ؛ ونتفُ الإبطِ. وقيل: معناهُ: ابتَلاه الله بالمناسك التي تعبَّدَهُ بها وهي عرفة والمزدلفة والرمي والطواف والسعي. وَقِيْلَ: معناه: ابتلاهُ اللهُ بأمرٍ عظيم؛ فصبَرَ وأحسنَ الظنَّ بالله. فأولُ ذلك الكوكبُ والقمر والشمس، ثمَّ النارُ؛ فجعلها عليه بَرْداً وسلاماً، ثم بالهجرةِ من أهله وولده، ثم بالختانِ على رأسِ ثَمانين سنةً، ثم بذبحِ الولد، فاتخذهُ اللهُ خليلاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَتَمَّهُنَّ } أي عَمِلَ بهنَّ ولم يتركْ منهُنَّ شيئاً. قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }؛ أي مُقْتَداً بكَ، { قَالَ }؛ إبراهيمُ: { وَمِن ذُرِّيَّتِي }؛ أي ومِن أولادي، فاجعل أئمةً يُقتدى بهم.
وأصلُ الذُّرِّيَّةِ الأَوْلاَدُ الصِّغَارُ؛ مشتقٌ من الذَّرَى لكثرتهِ. وقيل: من الذَّرْءِ؛ وهو الْخَلْقُ. وفيه ثلاث لُغات: (ذِرِّيَّةِ) بكَسرِ الذال وهي قراءةُ زيد بن ثابت. و(ذَرِّيَّةٍ) بفتحِ الذال وهي قراءةُ أبي جعفر. و(ذُرِّيَّةٍ) بضمِّ الذال وهي قراءةُ العامة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }؛ أعْلَمَهُ اللهُ تعالى أنَّ في ذريته الظالِمٌ؛ والظالِمُ لا يَصْلُحُ إماماً. وفيه ثلاثُ قراءات: (عَهْدِيَ الظًّالِمُونَ) بالواو؛ وهي قراءةُ ابن مسعود. و { عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } بإسكان الياء؛ وهي قراءةُ الأعمش وحفصٍ وحمزة. (وَعَهْدِيَ) بفتح الياءِ؛ وهي قراءةُ العامَّة.
واختلفوا في هذا الْعَهْدِ. قال عطاءُ: (رَحْمَتِي). وقال الضحَّاك: (طَاعَتِي) ودليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{ { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة: 40]. وقال السديُّ: (بنُبُوَّتِي). وقال حذيفةُ: (أمَانَتِي) ودليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } [النحل: 91]. وقال أبو عبيد: (أمَانِي) دليله قَوْلُهُ تَعَالَى: { { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } [التوبة: 4] وقال السديُّ: (لَيْسَ لِلظَّالِمِ أنْ يُطَاعَ فِي ظُلْمِهِ).