التفاسير

< >
عرض

صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ }؛ أي دينَ اللهِ وفِطْرَتَهُ؛ لأن دينَ الإسلامِ يؤثرُ في الْمُتَدَيِّنِ مِن الطهور والصلاةِ والوَقَار وسائرِ شعائر الإسلامِ كالصَّبغ الذي يكونُ في الثوب. ولا شيء في الأديانِ أحسنُ من دينِ الإسلام، قال اللهُ تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً }؛ وقيل: أرادَ بالصبغةِ الْخِتَانَ. وروي أنَّ صِنفاً من النَّصارى كانوا إذا وُلِدَ لَهم ولدٌ وأتَى عليه سبعةُ أيَّام صَبَغُوهُ؛ أي غَمَسُوهُ في ماءٍ لَهم يقالُ له: الْمَعْمُودِي ليطهِّروه بذلكَ، وقالوا: هذا طُهُورُهُ ومكانُ الخِتَانِ. فقيل: لَهم: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } أي التطهرُ الذي أمرَ اللهُ بهِ أبلغُ في النظافةِ.
وأولُ من اخْتَتَنَ إبراهيمُ عليه السلام بالقُدُّومِ؛ وهيَ موضعُ مَمَرِّهِ بالشامِ؛ وكان يومئذٍ ابنُ مِائَةٍ وعشرين سنةً، ثم عاشَ بعد ذلك ثَمانين سنةً.
ونصبَ { صِبْغَةَ } على الإغراءِ؛ أي الْزَمُوا صبغةَ اللهِ، أو اتَّبعُوا. وقال الأخفشُ: (هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{ { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } [البقرة: 135]. وقال ابنُ كيسان: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } أيْ وجْهَةَ اللهِ؛ بمَعْنَى الْقِبْلَةِ). وقال الزجَّاج: (مَعْنَاهُ: خِلْقَةَ اللهِ، مِنْ صَبَغْتُ الثَّوْبَ إذَا غَيَّرْتُ لَوْنَهُ وَخِلْقَتَهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أنَّ اللهَ تَعَالَى ابْتَدَأ الْخِلْقَةَ عَلَى الإِسْلاَمِ). دليلهُ قول مقاتلٍ في هذهِ الآية: { { فِطْرَتَ ٱللَّهِ } [الروم: 30] أيْ دِيْنَ اللهِ. ويوضِّحه قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، إلاَّ أنَّ أبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيْمَةَ، فَهَلْ تَجِدُونَ مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا؟ قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ أرَأيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: اللهُ أعْلَمُ بمَا كَانُواْ عَامِلِيْنَ" . وقال أبو عبيدةُ: (مَعْنَاهُ: سُنَّةُ اللهِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }؛ أي مُطِيْعُونَ.