التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ
٣٤
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ
٣٥
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ
٣٦
-المؤمنون

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ }؛ معناهُ: لئِنْ أطعتُم آدميّاً بَشَراً مثلَكُم إنَّكم إذا لَمبعوثون، وهذا القولُ منهم دليلٌ على غايَةِ جهلِهم حيث عبَدُوا أصناماً لا تضُرُّ ولا تنفعُ، ولَم يعدُّوا ذلك خُسراناً، والأصنامُ أجسامٌ مثلُهم بل دونَهم.
ثُم عَدُّوا عبادةَ الله وطاعتَهُ هو خُسراناً، قالوا: { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ }؛ أي وصرتُم، { تُرَاباً وَعِظاماً }؛ بالية؛ { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ }؛ أي أن تُخرجوا من قبُورِكم، { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }؛ أي بُعْداً بُعْداً لِمَا تُحاوِلون من البعثِ بعدَ الموت، وهذه كلمةُ استنكارٍ واستبعاد، ويقرأُ (هَيْهَاتَ) سبعَ قراءاتٍ بالنَّصب والكسرِ والرفعِ والتنوينِ وغير التنوين والسُّكون، فمَن نصَبَ جعلَها مثل (أيْنَ وكَيْفَ)، وَقِيْلَ: لأنَّها أداةٌ مثلُ خمسةَ عشرَ وبَعْلَبَكَّ، ومَن رفعَ جعلَهُ مثلَ (مُنْذُ وَقَطُّ وحَيْثُ)، ومَن كسرَ جعله مثلُ أمس. قال الشاعرُ:

تَذكَّرْتُ أيَّاماً مَضَيْنَ مِنَ الصِّبَا وهَيْهَاتَ هَيْهَاتاً إلَيْكَ رُجُوعُهَا

وقال آخر:

لَقَدْ باعَدَتْ أُمُّ الْحَمَارسِ دَارَهَا وَهَيْهَاتَ مِنْ أُمِّ الحمَارسِ هَيْهَاتاً هَيْهَات

ومعنى (هَيْهَاتَ) بَعُدَ الأمرُ جداً حتى امتنعَ، وهو اسمٌ سُمي به الفعلُ، وهو بَعُدَ كما قالوا: صَهْ بمعنى اسْكُتْ، ومَهْ بمعنى لا تَفْعَلْ، وليسَ له اشتقاقٌ وفيه ضمير مرتفعٌ عائد إلى قولهِ (مُخْرَجُونَ)، والتقديرُ (هَيْهَاتَ) أي هو الإخراجُ، والمعنى: بَعُدَ إخراجُكم للوعدِ؛ أي الذي توعَدُون. قال أبو عمرٍو: (إذا وَقَفْتَ فَقُلْ هَيْهَاه بالْهَاءِ) وقال الفرَّاءُ: (كَانَ الْكَسَائِيُّ يَخْتَارُ الْوَقْفَ عَلَيْهَا بالْهَاءِ، وَأنَا أخْتَارُ التَّاءَ لأنَّهَا لَيْسَتْ هَاءَ التَّأْنِيْثِ). ورُوي أن سيبويه قال: (هِيَ بمَنْزِلَةِ بَيْضَات) يَعْنِي فِي التَّأْنِيْثِ، فإذا كَانَ كَذلِكَ كَانَ الْوَقْفُ بالْهَاءِ.