التفاسير

< >
عرض

لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ
٦٥
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ
٦٦
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ
٦٧
-المؤمنون

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ}؛ وَعِيداً بهم كالاستهزاءِ مثل قولهِ { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ } [الأنبياء: 13]، قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ}؛ أي لا تُمْنَعُونَ من عذابنا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ}؛ أي تُقْرَأْ عليكم في الدُّنيا، يعني الْقُرْآنَ، {فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ}؛ أي تُوَلُّونَ مُدبرِين وتُعرِضون عن الإيْمانِ به، قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ}؛ أي مُتَعَظِّمِينَ ببيتِ الله الكعبة. وَقِيْلَ: بحَرَمِ اللهِ أنهُ لا يظهرُ عليكم أحدٌ، فالكنايةُ تعودُ إلى الْحَرَمِ وهو كنايةٌ من غيرِ مذكورٍ، والمعنى: والمستكبرينَ في البيتِ الحرام لأمْنِهم فيهِ مع خوفِ سائرِ الناس في مواضعهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ}؛ أي سُمَّاراً تَهْجُرُونَ القُرْآنَ والنبيَّ صلى الله عليه وسلم، والَهَجْرُ: هَجْرُ الحقِّ بالإعراضِ عنه، وقد يقالُ: هَجَرَ المريضُ إذا هَدَأ في كلامهِ. والسَّمَرُ: الحديثُ باللَّيلِ، كانوا يتحدَّثون حولَ الكعبة في أوائلِ الليل بالطَّعْنِ في النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفي الإسلامِ والمسلمين، وإنَّما وحَّدَ (سَامِراً) لأنه في موضعِ المصدر.
قال الحسنُ ومقاتل: (الْمَعْنَى: يَهْجُرُونَ الْقُرْآنَ وَيَرْفُضُونَهُ فَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} الآيةُ). ويجوزُ أن يكون معناهُ مِن الْهَجْرِ؛ وهو الكلامُ القبيح، يقالُ: هَجَرَ هَجْراً؛ إذا قالَ غيرَ الحقِّ، وهو قولُ السديِّ والكلبي وقتادةَ ومجاهدٍ، وكانوا إذا دخَلُوا البيتَ سَبُّوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم والقُرْآنَ. ويقالُ أيضاً في هذا المعنى: أهْجَرَ هَجْراً؛ إذا أفْحَشَ في مَنْطِقِهِ، ومنهُ قراءةُ نافع: (تُهْجِرُونَ) أي يَفْحُشُونَ في الكلامِ، ويقولونَ الْخَنَا، وذلك أنَّهم كانوا يسبُّون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، والْهَجْرُ هو الْفُحْشُ مِن الكلامِ، يقال في الْمَثَلِ: (مَن كَثُرَ هَجْرُهُ وَجَبَ هَجْرُهُ).