التفاسير

< >
عرض

فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
-القصص

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ }؛ وذلك أنَّ موسى عليه السلام لَمَّا سقى لَهما، رجَعَا إلى أبيهما سَريعاً، فقالَ لَهما أبُوهُما: مَا أعْجَلَكُمَا؟ قالتا: وجَدْنا رجُلاً صالحاً رَحِمَنا، فسقَى لنا أغنامَنا، فقال لإحداهُما: اذهَبي فادعِيه لِي، فجاءتْهُ تَمشي مُستحيةً مشيَ مَن لا يعتادُ الدُّخولَ والخروجَ، واضعةً كفَّها على وجهِها، مُعرِضَةً من الحياءِ، وكانت التي أرسَلَها أبوها إلى موسَى هي الصُّغرى منهما، واسْمُها صُورَا، قال عمرُ بن الخطَّاب في قولهِ تعالى: { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ }: (وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا؛ أيْ مُسْتَتِرَةً بكُمِّ ذِرَاعِهَا). قال أهلُ اللُّغة: السَّلْفَعُ: الجريئة التي هي غيرُ مُستحِيَةٍ.
وقولهُ تعالى: { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } أي ليعطيكَ ذلك، فلما قالت ذلكَ لِموسَى شُقَّ عليه قولُها، وهَمَّ أن لا يتبعَها وكان بينه وبين أبيها مقدارَ ثلاثةِ أميَالٍ، ثُم إنه لَم يجدْ بُدّاً من اتِّباعِها؛ لأجْلِ الْجُهْدِ والجوعِ الذي حَلَّ به ولأجلِ الخوف الذي خرجَ لأجلهِ، فانطلقَ معها، وكانت الريحُ تضرِبُ ثوبَها فَنَكَّرَتْهُ برَدْفِها فتصفُ له عجيزتَها، وكانت ذات عَجِزٍ، فجعل موسَى يَغْضُّ بَصَرَهُ ويُعرِضُ عنها، ثُم قال لَها: (يَا أمَةَ اللهِ كُونِي خَلْفِي، وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيْقَ بقَوْلِكِ، وَدُلِّينِي عَلَيْهَا إنْ أنا أخْطَأْتُ، فَإنَّا بَنُوا يَعْقُوبَ لاَ نَسْتَطِيْعُ النَّظَرَ إلَى أعْجَاز النِّسَاءِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }؛ أي فلمَّا جاءَ مُوسَى إلى شُعيب إذ هو بالعَشَاءِ مُهَيَّأً، فقالَ له شُعيب: مَن أنتَ؟ قال: أنا رجلٌ من بَنِي إسرائيلَ مِن أهلِ مصر، وحَدَّثَهُ بما كان منهُ من قَتْلِ القبطيِِّ وفرارهِ من فرعون، فقال له شعيبُ: إِجلِسْ { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي نجوتَ من فرعونَ وقومهِ، فإنَّهم لا سلطانَ لَهم بأرضِنا، ولَسْنَا مملكتَهُ.
فجلسَ معه موسى عليه السلام فقالَ له شعيبُ: هَاكَ فَتَعَشَّ، فقال: أعوذُ باللهِ، فقال له شعيبُ: ولِمَ ذلك وأنتَ جائعٌ؟ قال: أخافُ أن يكون هذا عِوََضاً لِمَا سقيتُ لكم، وإنَّا أهلُ بيتٍ لا يَبْغِ شيئاً من عَمَلِ الآخرةِ بملْئِ الأرِض ذهباً، فقال شعيبُ: لاَ وَاللهِ! ولكنَّها عادَتِي وعادةُ آبائي، نُقْرِي الضَّيفَ ونُطعِمُ الطعامَ، فجلسَ مُوسَى عليه السلام يتعَشَّى حينئذٍ.