قَوْلُهُ تَعَالَى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ}؛ أي من قَبْلِ القُرْآنِ، {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ}؛ أي بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. قال السديُّ: (يَعْنِي مُسْلِِمِي الْيَهُودِ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلام وَأصْحَابُهُ). وقال مقاتلُ: (يَعْنِي مُسْلِمِي أهْلِ الإنْجِيْلِ، وَهُمُ الَّذِيْنَ قَدِمُواْ مَعَ جَعْفَرَ بْنِ أبي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ).
ثُم نَعَتَهم اللهُ تعالى فقالَ: {وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ}؛ يعنِي القُرْآنَ، {قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ}؛ أي صدَّقنَا بالقُرْآنِ، {إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ}؛ لا ذِكْرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان مَكتُوباً عندَهم في التَّوراةِ والإنجيل فلَمْ يعانِدوا، وقالوا للقُرْآنِ: إنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبنَا، {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ}؛ قبل القُرْآنِ، {مُسْلِمِينَ}؛ مُخلِصِين للهِ بالتوحيد، مؤمِنين بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ نَبيٌّ.
ثُم أثْنَى اللهُ عليهم خيراً، فقالَ: {أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ}؛ مرَّةً بتمسُّكِهم بدِينهم حتى أدرَكُوا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فآمَنُوا به، ومرَّةً بإيْمانِهم به. وقال قتادةُ: (كَمَا صَبَرُواْ عَلَى الْكِتَاب الأَوَّلِ وَالْكِتَاب الثَّانِي)، وَقِيْلَ: مرَّةً لإيْمانِهم بموسَى ومرّةً لإيْمَانِهم بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ}؛ أي يدفَعُونَ بشهادَةِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ الشِّرْكَ، كذا قال ابنُ عبَّاس، وقال مقاتلُ: (يَدْفَعُونَ مَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ أذِيَّةِ الْكَافِرِيْنَ وَشَتْمِهِمْ لَهُمْ بالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالاحْتِمَالِ). {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}؛ مِن الأموالِ في طاعة الله.