التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
١٧٥
-آل عمران

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ }؛ أراد بالشيطانِ نُعَيْمُ بنُ مسعودٍ؛ وكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ فهو شيطانٌ. وقيل: معناهُ: ذلك التخويفُ من عملِ الشَّيطانِ وَوَسْوَسَتِهِ، وقولهُ { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } يعني المنافقينَ ومَن لا حقيقةَ في إيْمانهِ. { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }؛ أي خَافُونِي في تركِ أمْرِي.
وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ قولَه تعالى:
{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } [آل عمران: 172] أنْزِلَتْ في حرب أُحُدٍ، وذلكَ: "أنهُ لَمَّا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهَزِيْمَةِ؛ قَالَ لَهُمْ: رَحِمَ اللهُ قَوْماً انْتَدَبُواْ لِهَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِيْنَ لِيَعْلَمُواْ أنَّا لَمْ نُسْتَأْصَلْ فَانْتَدَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ أصَابَهُمُ الْجِرَاحُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ فَشَدُّواْ عَلَى الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْقَتْلَى بَعْدَ أنْ مَثَّلُواْ بحَمْزَةَ، وَقَدْ كَانَ هَمُّوا بالْمُثْلَةِ بقَتْلَى الْمُسْلِمِيْنَ، فَقَذفَ اللهُ فِي قُلُوبهِمُ الرُّعْبَ؛ فَانْهَزَمُواْ.
وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَتْلَى وَدَفَنَهُمْ، فَجَاءَ أنَاسٌ مِنَ الْعَرَب وَقَدْ مَرُّوا بأبي سُفْيَانَ وَأصْحَابهِ بمَوْضِعٍ يُسَمَّى حُمْرَاءَ الأَسَدِ، فَقَالُواْ لِلْمُسْلِمِيْن: تَرَكْنَاهُمْ مُتَأَهِّبيْنَ للِرُّجُوعِ إلَى الْمَدِيْنَةِ لِقَتْلِ بَقيَّتِكُمْ، فَعِنْدَ ذلِكَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ بالْمَسِيْرِ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا سَارُواْ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ وَهِيَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِية أمْيَالٍ مِنَ الْمَدِيْنَةِ لَمْ يَرَوا الْمُشْرِكِيْنَ هُنَاكَ؛ فَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إلَى الْمَدِيْنَةِ بنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ؛ وَهِيَ كِفَايَتُهُ لَهُمْ شَرَّ قُرَيْشٍ حَتَّى لَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهُمْ سُوءٌ"
. وفي قوله { { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران: 174] بيان أنه تعالى تفضّل عليهم من بعد بنعيم الدنيا والآخرة.