التفاسير

< >
عرض

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ
١٠
-فاطر

التفسير الكبير

قَوُلَهُ تَعَالَى: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً }؛ أي مَن كان يطلبُ العزَّةَ بعبادةِ الأصنام فليطلُبْها بطاعةِ الله تعالى وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، العزيزُ مَن أعزَّهُ اللهُ. وذلك أنَّ الكفارَ كانوا يعبُدونَ الأصنامَ طَمَعاً في العزَّةِ كما قَالَ اللهُ تَعَالَى: { { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } [مريم: 81]. أو قِيْلَ: معناهُ: مَن كان يريدُ أن يعلمَ العزَّةَ لِمَن هي فليعلَمْ أنَّها للهِ تعالى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ }؛ إلى اللهِ تصعدُ كلمةُ التوحيدِ وهو قولهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، ومعنى { إِلَيْهِ يَصْعَدُ } أي يعلمُ ذلك كما يقالُ: ارتفعَ الأمرُ إلى القاضِي والسُّلطان أي عَلِمَهُ. وَقِيْلَ: صعودُ الكَلِمِ الطيِّب أن يُرفَعَ ذلك مَكتُوباً أو مَقبُولاً إلى حيث لا مالِكُ إلاَّ اللهُ؛ أي إلى سَمائهِ يصعدُ الكَلِمُ الطيِّبُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }؛ قال الحسنُ: (مَعْنَاهُ: ذُو الْعَمَلِ الصَّالِحِ يُرْفَعُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ إلَى اللهِ تَعَالَى بعَرْضِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ، فَإنْ وَافَقَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ قُبلَ، وَإنْ خَالَفَ رُدَّ، لأنَّ الْعَبْدَ إذا وَحَّدَ اللهَ وَأخْلَصَ فِي عَمَلِهِ ارْتَفَعَ الْعَمَلُ إلَى اللهِ تَعَالَى). قال: (لَيْسَ الإيْمَانُ بالتَّحَلِّي وَلاَ بالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ، مَنْْ قَالَ حُسْناً وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً رَفَعَهُ الْعَمَلُ).
وقرأ أبو عبدِالرحمن (الْكَلاَمُ الطَّيِّبُ). وعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله علي وسلم في قولهِ { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ }:
"هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَالْحَمْدُ للهِ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ؛ وَاللهُ أكْبَرُ، إذا قَالَهَا الْعَبْدُ عَرَجَ بهَا مَلَكٌ إلَى السَّمَاءِ" .
وَقِيْلَ: الكلامُ الطيب: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، والعملُ الصالِحُ: أداءُ فرائضهِ، ومَن لا يؤدِّي فرضَهُ رُدَّ كلامهُ. وجاءَ في الخبرِ: "طَلَبُ الْجَنَّةِ بلاَ عَمَلٍ ذنْبٌ مِنَ الذُّنُوب" ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ قَوْلاً بلاَ عَمَلٍ" ، وعلى هذا المعنَى قولُ الشاعرِ:

لاَ تَرْضَ مِنْ رَجُلٍ حَلاَوَةَ قَوْلِهِ حَتَّى يُصَدِّقَ مَا يَقُولُ فَعَالُ
فَإذا وَزَنْتَ فَعَالَهُ بمَقَالِهِ فَتَوَازَنَا فَإخَاءُ ذاكَ جَمَالُ

وقال ابنُ المقفَّع: (قَولٌ بلاَ عَمَلٍ كَثَرِيدٍ بلاَ دَسَمٍ، وَسَحَابٍ بلاَ مَطَرٍ، وَقَوْسٍ بلاَ وَتَرٍ). وَقِيْلَ: معناهُ: والعملُ الصالِحُ يرفعهُ اللهُ؛ أي يَقبَلهُ.
قَوُلَهُ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }؛ أي يَفعلُونَها على وجهِ المخادَعة كما كان الكفارُ يَمكُرون بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في دار النَّدوةِ. وَقِيْلَ: معناهُ: الذين يُشرِكون باللهِ وبعملِ السيِّئات لَهم عذابٌ شديد في الآخرةِ. وَقِيْلَ: أرادَ بقولهِ { يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } يعمَلون عمَلاً على وجهِ الرِّياءِ.
"كما رُوي أنَّ رجُلاً قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ فِيمَ النَّجَاةُ غَداً؟ فَقَالَ: لاَ تُخَادِعِ اللهَ، فَإنَّهُ مَنْ يُخَادِعِ اللهَ يَخْدَعُهُ وَيَخْلَعُهُ مِنَ الإيْمَانِ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ يُخَادَعُ اللهُ؟ فَقَالَ: أنْ تَعْمَلَ بمَا أمَرَكَ اللهُ، لاَ يُقْبَلُ مَعَ الرِّيَاءِ عَمَلٌ، فَإنَّ الْمُرَائِي يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ بأرْبَعَةِ أسْمَاءٍ: يَا كَافِرُ؛ يَا فَاجِرُ؛ يَا غَادِرُ؛ يَا خَاسِرُ؛ ضَلَّ عَمَلُكَ" . قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }؛ أي يفسَدُ ويهلَكُ ويكسَرُ ولا يكون شيئاً.