التفاسير

< >
عرض

ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
-الصافات

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ }؛ أي فيقالُ لِخَزَنَةِ جهنَّم: اجْمَعُوا الذين ظلَمُوا وقُرنَاءَهم من الشَّياطين الذين قبَضُوا لضَلالَتِهم، ويقالُ: أرادَ بالأزواجِ نُظَراءَهُمْ وأشكالَهم من الأتباعِ، والزَّوجُ في اللغة: النظيرُ، ومن ذلك: زوجَانِ من الْخُفِّ. ويقالُ: أرادَ بالأزواجِ نِساءَهُم، سواءاً أكانت امرأةُ الكافرِ كافرةً أو منافقةً، والمعنى: اجمعوا الذين ظلَمُوا من حيث هم إلى الوقفِ للجزاء والحساب، والمرادُ بالذين ظلَمُوا المشركينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ }؛ يعني اجْمَعُوا المشركين وأتباعَهم وأوثانَهم وطواغيتَهم وأصنامهم التي كانوا يعبُدونَها من دون اللهِ، قال مقاتلُ: (يَعْنِي إبْلِيسَ وَجُنُودَهُ) فَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:
{ { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ }؛ أي سُوقُوهم واذهَبُوا بهم إلى فريقِ الجحيم.
فلما انطُلِقَ بهم إلى جهنَّم أرسلَ مَلَكٌ يقولُ لِخَزَنَةِ جهنَّم: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ }؛ أي اسألُهم في موضعِ الحساب، يُسأَلُوا ويعرفوا أعمالَهم، وهذا سؤالُ توبيخٍ لا سؤالُ استفهامٍ، قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْ أعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَأقَاويلِهِمْ)، وقال مقاتلُ: (تَسْأَلُهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: ألَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، ألَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ).
ويجوزُ أن يكون هذا السؤالُ ما ذُكِرَ بعدُ، وهو قولهُ: { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ }؛ أي يقالُ لَهم على سبيلِ التوبيخِ: ما لكم لا ينصرُ بعضُكم بعضاً كما كنتم في الدُّنيا.
وذلك أنَّ أبا جهلٍ لَعَنَهُ اللهُ قالَ يومَ بدرٍٍ: نحنُ جميعٌ منتصر، فقيلَ لهم ذلكَ اليومِ: ما لَكم غير متناصِرين، وأنتم زعَمتُم في الدُّنيا أنكم تَنَاصَرون، فاللهُ تعالى قال: { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ }؛ أي مُنقَادُون خاضِعون لِمَا يرادُ بهم، والمعنى: هم اليومَ أذِلاَّءُ منقادون، لا حيلةَ لهم، فالعابدُ منهم والمعبودُ لا يحمِلُ عن أحدِهم أحداً ولا يمنعُ أحدٌ عن أحدٍ.