التفاسير

< >
عرض

بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢
كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ
٣

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ }؛ يعني: كفَّارَ مكَّة في مَنَعَةٍ وحَمِيَّةٍ وتكبُّرٍ عن الحقِّ، { وَشِقَاقٍ } أي خِلاَفٍ وعدَاوةٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ }؛ أي مِن أُمَمٍ بتكذِيبهم الرُّسُلَ، { فَنَادَواْ }؛ عند وُقوعِ الهلاكِ بهم بالاستغاثةِ، { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }؛ أي وليسَ الحينُ حينَ نَزْوٍ ولاَ قَرارٍ، قال وهبُ: (لاَتَ باللُّغَةِ السِّرْيَانِيَّةِ: وَلَيْسَ، وذلك أنَّ السِّريانِيَّ إذا أرَادَ أن يَقُولَ وَلَيْسَ يَقُولُ: وَلاَتَ) وقال أئِمَّةُ اللُّغَةِ: (أصْلُهَا (لاَ) زيْدَتْ فِيْهَا التَّاءُ، كَمَا زِيْدَتْ فِي ثَمَّتَ وَرُبَّتَ). وقال قومٌ: إنَّ التاءَ زيدَتْ في (حِينَ) كما زيدَتْ في قولِ الشَّاعرِ:

الْعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ أيْنَ الْمُطْعِمُ؟

والمرادُ بتَحِينَ: حِينَ. فمَن قالَ: إنَّ التاء مع لاَ، فالوقفُ عليه بالتاءِ. ورُوي عن الكسائيِّ (وَلاَه) بالهاءِ في الوقفِ، ومثلهُ روى قنبلُ عن ابنِ كثير. ومَن قالَ: إن التاءَ مع حينَ لاَ، فالوقفُ عليهِ، (ولا) ثُم تبتدئ: تحين مناص.
قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ كُفَّارُ مَكَّةَ إذا قَاتَلُواْ فَاضْطَرَبُواْ فِي الْحَرْب، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنَاصٍ؛ أيْ اهْرُبُواْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ بهِمُ الْعَذابُ ببَدْرٍ قَالُواْ: مَنَاصٍ، عَلَى عَادَتِهِمْ، فَأَجَابَتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ: وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصٍ؛ أيْ لَيْسَ هَذا حِيْنَ مَنْجَى).
وَقِيْلَ: معناهُ: { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } أي ليسَ هذا حينُ نُزْوٍ ولا حينَ فِرَار، والمناصُ مصدرِ من النَّوْصِ، يقالُ: نَاصَهُ يَنُوصُهُ إذا فَاتَهُ، ويكون النَّوْصُ بمعنى التأخُّرِ؛ أي ليس هذا حينَ التأَخُّرِ، والنَّوْصُ هو الْفَوْتُ والتأخُّر.