التفاسير

< >
عرض

أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥
وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
٦

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً }؛ أي قالُوا لفَرْطِ جَهلِهم على وجهِ الإنكار: أجعَلَ مُحَمَّدٌ الآلِهَةَ إلَهاً واحداً؟ { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }؛ أمَّا هذا الذي يقولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم من ردِّ الحوائجِ إلى إلَهٍ واحدٍ، إلاَّ شيء مُفْرِطٌ في العَجَب.
والعُجَابُ: ما يكون في غايَةِ العَجَب، يقالُ: رجلٌ طُوَالٌ، وأمْرٌ كُبَارٌ، وسيفٌ قُطَاعٌ، وسَيلٌ جُحَافٌ، ويرادُ بذلك كلَّ مبالغةٍ.
"وذلك أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّاب لَمَّا أسلمَ شَقَّ على قُريشٍ، فقال الوليدُ بن المغيرةِ للمَلأ مِن قريشٍ وهم الرُّؤساءُ والصَّناديدُ والأشرافُ، وكانوا خَمسةً وعشرين رَجُلاً، منهم الوليدُ بن المغيرة وهو أكبَرُهم سِنّاً، وأبو جهلٍ، وأُبَيُّ بن خلَفٍ، وأبو البحتري بن هِشَام، وعُتبة وشيبَةُ ابنَا ربيعةَ، والعاصُ بن وائلٍ، والنضِرُ بن الحارثِ، ومَخرَمَةُ بن نوفلٍ، وزمعَةُ بن الأسودِ، والأحنَفُ بن شُريقٍ، وغيرُهم.
قال لَهم الوليدُ بن المغيرة: امْشُوا إلَى أبي طَالِبٍ وَقُولُواْ لَهُ: أنْتَ شَيْخُنَا وَكَبيرُنَا، وَإنَّا أتَيْنَاكَ لِتَقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أخِيْكَ. فَمَشُواْ إلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ، فَشَكَواْ إلَيْهِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أخِي مَا تُرِيْدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: أُريدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً إذا قَالُوهَا مَلَكُواْ الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَهُمْ الْعَجَمُ فَقَالُواْ: وَمَا هِيَ؟! قَالَ: قُولُواْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ فَنَفَرُواْ مِنْ ذلِكَ؛ وَقَالُواْ: أنَجْعَلُ آلِهَةً إلَهاً وَاحِداً؟!"
وَقِيْلَ: "إنَّ أبا طالبٍ لَمَّا دعَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: با ابنَ أخِي؛ هؤلاءِ قومُكَ يسألونكَ السَّواءَ، فلا تَمِلْ كلَّ الميلِ عليهم، فقال: وَمَاذا يَسْأَلُونَنِي؟ قال: ترفضُ ذكرَ آلهِتهم ويدَعُونَكَ وإلَهَكَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي أدْعُوهُمْ إلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالُوا: وما هي؟ قَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ" .
فنَفَرُوا من ذلكَ، وقال: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً }، فاغتاظوا مِن ذلكَ وخرَجُوا من عندِ أبي طالبٍ يقولُ بعضهم لبعضٍ: أمشُوا واصبروا على آلهتِكُم. فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ }؛ أي انطلقَ مِن مجلسهم وهم يقولون الذي كانوا فيه عندَ أبي طالب، وهم يقولون: اثبتُوا على عبادةِ آلهتِكُم واصبروا، { أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ }؛ على دِينكم، { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }؛ أي هذا الشيءُ يريده مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ولا يتمُّ له ذلكَ.