التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً
١٠١
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ }؛ أي إذا سافرْتُم في الأرضِ؛ لأن الخروجَ إلى الصحراءِ أو القصدَ إلى القرية القريبةِ لا يسمَّى ضَرْباً في الأرضِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي ليسَ عليكم حَرَجٌ وَمَأْثَمٌ في أن تَقْصُرُوا من الصلاةِ، يعني من أربعِ رَكَعَاتٍ إلى ركعتين، { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ }؛ أي إنْ عَلِمْتُمْ أنْ يَغْتَالَكُمُ، { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ }؛ ويقتلُوكم، { إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }؛ أي عَدُوّاً ظاهِرَ العداوة، يُبدون عداوتَهم لكم.
وفي الآيةِ ذكرُ القَصْرِ من الصلاةِ بين شَرْطَيْنِ، وأجمعتِ الأُمَّةُ أن أصلَ القَصْرِ لا يَتَعَلَّقَ بهما وأن كلَّ واحدٍ منهما يؤثِّر في القصرِ نوعَ تأثيرٍ، فتأثيرُ السَّفرِ في القصرِ في العددِ في الصَّلاة الرباعيَّة، وتأثيرُ الخوفِ في القصرِ في أركان الصَّلاة إذا خافَ إنْ قامَ في الصلاة أن يراهُ العدوُّ، أو خاف أن ينزل عن الدابَّة أن يدركهُ العدوُّ، وكان لهُ ترك القيامِ، وأنْ يُؤمِئَ على الدابَّة، فيحتملُ أن حرفَ العطفِ مضمراً في قولهِ: { إِنْ خِفْتُمْ } كأنهُ قال: وإنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الذينَ كَفَرُوا فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ.
وقال الحسنُ: (صَلاَةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، فَإذا قامَ الْحَرْبُ فَرَكْعَةٌ) وهذا اللفظُ يقتضي القصرَ الذي هو في غاية في القصرِ متعلقٌ بشرطين على مذهبهِ. ورويَ:
"أنَّ رَجُلاً سَأَلَ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: كَيْفَ يَقْصُرُ النَّاسُ وَقَدْ أمِنُواْ؟ فَقَالَ عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ؛ حَتَّى سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بهَا عَلَيْكُمْ ألاَ فَاقْبَلُواْ صَدَقَةَ اللهِ عَلَيْنَا" . يقتضي إسقاطَ الفرضِ عنَّا. وفي قولهِ صلى الله عليه وسلم: "فَاقْبَلُواْ صَدَقَتَهُ" دليلٌ أنَّ القصرَ عَزِيْمَةٌ لا رُخْصَةٌ؛ لأن ظاهرَ الأمرِ على الوجوب، ولِهذا قال أصحابُنا: إنَّ المسافرَ إذا صَلَّى الظهرَ أربعاً، ولم يقعُد في الثانيةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صلاتُه، كمصلَّي الفجرِ أربعاً.