التفاسير

< >
عرض

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً
١٥٧
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَذَلِكَ أنَّهُ لَمَّا مُسِخَ الرَّهْطُ الَّذِيْنَ سَبُّواْ عِيْسَى وَأمَّهُ، فَمَسَخَ اللهُ مَنْ سَبَّهُمَا قِرَدَةً وَخَنَازِيْرَ؛ فَزِعَتِ اليَهُودُ وخَافَتْ دَعْوَتَهُ؛ فَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ؛ فثَارُواْ إلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ؛ فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَدَخَلَ بَيْتاً فِي سَقْفِهِ روْزَنَةٌ - أيْ كُوَّةٌ - فَرَفَعَهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام إلَى السَّمَاءِ؛ وَأمَرَ يَهُودِيّاً مَلِكُ الْيَهُودِ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ طِيْطَانُوسُ أنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ فَيَقْتُلَهُ؛ فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَلْقَى اللهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيْسَى عليه السلام، فَلَمَّا خَرَجَ إلَى أصْحَابهِ قَتَلُوهُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّهُ عِيْسَى، ثُمَّ صَلَبُوهُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلْنَاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ وَجْهَهُ وَجْهُ عِيْسَى وَجَسَدَهُ جَسَدُ صَاحِبنَا، فَإنْ كَانَ هَذا عِيْسَى فَأَيْنَ صَاحِبُنَا؟ وَإنْ كَانَ هَذَا صَاحِبُنَا فَأَيْنَ عِيْسَى؟ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُواْ فِيْهِ، ثُمَّ بُعِثَ عَلَيْهِمْ طَاطُوسُ بْنُ اسْتِيبَانْيُوسُ الرُّومِيُّ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيْمَةَ).
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { رَسُولَ ٱللَّهِ } قولُ اللهِ خاصَّة لا قولَ اليهودِ، وكانت اليهودُ تقول: عِيْسَى بْنُ مَرْيَمَ، قال اللهُ تعالى: { رَسُولَ ٱللَّهِ } أي يَعْنُونَ الذي هو رَسُولُ اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ }؛ أي ومَا قَتَلُوا عيسَى وما صَلَبُوهُ ولكن ألْقَى اللهُ على طِيْطَانُوسُ شَبَهَ عِيْسَى فقتلوهُ؛ وَرُفِعَ عِيْسَى إلى السَّماءِ. قال الحسنُ: (إنَّ عِيْسَى عليه السلام قَالَ لِلْحَوَاريِّيْنَ: أيُّكُمْ يَرْضَى أنْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الجَنَّةَ؛ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْحَوَارِيِّيْنَ فَقَالَ: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَلْقَى اللهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيْسَى؛ فَقُتِلَ وَصُلِبَ، وَرَفَعَ اللهُ عِيْسَى إلَى السَّمَاءِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ }؛ أي مِنْ قَتْلِهِ، قال الكلبيُّ: (اخْتِلاَفُهُمْ فِيْهِ: أنَّ الْيَهُودَ قَالُواْ: نَحْنُ قَتَلْنَاهُ وَصَلَبْنَاهُ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّصَارَى: بَلْ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ وَصَلَبْنَاهُ، فَمَا قَتَلَهُ هَؤُلاَءِ وَلاَ هَؤُلاَءِ، بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إلَيْهِ إلَى السَّمَاءِ).
ويقال: إنَّ الله تعالى لَمَّا ألقَى شَبَهَ عيسَى على طيطانوسُ ألقاهُ على وجههِ دون جَسَدِهِ، فَلَمَّا قَتَلُوا طيطانوس؛ نَظَرُوا إليهِ فإذا وجههُ وجهُ عيسَى وجسَدُه غيرُ جَسَدِ عيسَى، فقالوا: إن كان هذا عيسَى، فأينَ صاحبُنا؟ وإن كانَ صاحِبُنا فأينَ عيسَى؟ فقال اللهُ تعالى: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }؛ نَعْتٌ كمصدر محذوف تقديرهُ: وَمَا عَلِمُوهُ عِلْماً يَقِيْناً.