التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
٥٦
-النساء

التفسير الكبير

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً }؛ أي إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ سَوفَ نُدْخِلُهُمْ نَاراً. وقرأ حُميد بن قيسٍ: (نَصْلِيهِمْ) بفتحِ النون؛ أي نَشْوِيْهِمْ مِن قولِهم: شاةٌ مَصْلِيَّةٌ؛ أي مَشْوِيَّةٌ، ونُصبتِ النارُ بنَزعِ الخافض على هذه القراءةِ؛ تقديرهُ: بنَارٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا }؛ أي كُلَّمَا أحْرِقَتْ جلودُهم جَدَّدْنَا لَهم جلوداً غيرَها بيضاءَ كالقراطيسِ، وذلك أنَّهم كلَّما احْتََرَقُوا حَسَّت عليهم النارُ ساعةً ثم تَزَايَدَتْ سعيراً وَبَدَأوا خَلْقاً جديداً فيهم الرُّوحُ ثم عادَتْ النَّارُ تُحْرِقُهُمْ؛ فهذا دَأبُهُمْ أبداً. قال الحسنُ: (تَنْضَجُ جُلُودُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ ألْفَ مَرَّةٍ، كُلَّمَا أكَلَتْهُمُ النَّارُ وَأنْضَجَتْهُمْ؛ قِيْلَ لَهُمْ: عُودُوا؛ فَيَعُودُونَ كَمَا كَانُوا). وعن مجاهدٍ قَالَ: (مَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ دُودٌ لَهَا حَلْبَةٌ كَحَلْبَةِ حُمُرِ الوَحْشِ). وعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"غِلَظُ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأرْبَعُونَ ذِرَاعاً، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أحُدٍ"
]. قيل: كيفَ جاز أن يعذِّبَ اللهُ جِلْداً لَم يَعْصِهِ؟ قيل: إنَّ العاصِي والمتألِّمُ واحدٌ وهو الإنسانُ لا الجلدُ؛ لأن الجلودَ إنَّما تَأْلَمُ بالأرواحِ، والدليلُ على أنَّ القصدَ تعذيبُ الإنسانِ لا تعذيبُ الجلودِ قولهُ تعالى: { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ }؛ ولَم يقل ليذوقَ العذابَ، وَقِيْلَ: معناهُ: تبدل جلودٌ هي تلك الجلودُ المتحرقة، وذلك أنَّ (غيرَ) على ضربين: بتضَادٍّ و (غير) بلا تضادٍّ، فالتضادُّ مثلُ قولِكَ: الليلُ غيرُ النَّهار، والذكرُ غير الأنثى، والثاني مثل قولِكَ لصائغٍ: صُغْ لي من هذا الخاتمِ خاتماً غيرَهُ، فيكسره ويصوغُ لكَ خاتماً، والخاتَمُ المصوغُ هو الأوَّلُ، إلاّ أن الصياغةَ قد تغيَّرت، والقصةُ واحدةٌ.
وقالت الحكماءُ: كما أنَّ الجلد بَلِيَ قبلَ البعثِ كذلك يبدلُ بعد النُّضج. وقال السُّدِّيُّ: (يُبْدَلُ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ يُعَادُ الْجِلْدُ لَحْماً وَيَخْرُجُ مِنَ اللَّحْمِ جِلْدٌ آخَرُ؛ لأنَّهُ جِلْدٌ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيْئَةً). قَوُلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }؛ أي غالباً في أمرهِ، لا يَمْلِكُ أحدٌ مَنْعَهُ من إنزالِ وعدِّهِ، ذو حِكْمَةٍ فيما حَكَمَ من النار للكفَّار.