التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧٧
-النساء

التفسير الكبير

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ }؛ قال ابنُ عبَّاس وقتادةُ والحسن والكلبيُّ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي قَوْمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ: عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةُ بْنُ عَبْدِاللهِ وَالْمِقْدَادُ وَغَيْرُهُمْ، كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ أذىً كَثِيْراً وَهُمْ بمَكَّةَ قَبْلَ أنْ يُهَاجِرُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ؛ فَشَكَواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَقَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ ءأذنْ لَنَا فِي قِتَالِ هَؤْلاَءِ فَإنَّهُمْ قَدْ آذُوْنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: كُفُّواْ أيْدِيَكُمْ؛ فَإنِّي لَمْ أؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ، وَأقِيْمُوا الصَّلاَةَ الْخَمْسَ، وَأدُّواْ زَكَاةَ أمْوَالِكُمْ فَلَمَّا خَرَجُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى بقِتَالِ الْمُشْرِكِيْنَ، وَأمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْمَسِيْرِ إلَى بَدْرٍ، كَرِهَ بَعْضُهُمْ وَشُقَّ ذلِكَ عَلَيْهِمْ" .
ومعنى الآية: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ }؛ بالمدينةِ أي فُرِضَ؛ { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ }؛ وقيل معناهُ: { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }؛ كقولهِ { { مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147].
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ }؛ يعنِي مُشْرِكِي مكَّة لِمَ فَرَضْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ؛ أي الجهادَ؛ { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ }؛ أي هَلاَّ تَرَكْتَنَا حتى نَمُوتَ بآجالِنا. قال الحسنُ: (لَمْ يَقُولُوا هَذِهِ لِكَرَاهَةِ أمْرِ اللهِ، ولَكِنْ لِدُخُولِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمْ بذلِكَ)، وقال بعضُهم: نزلَتْ في المنافقينَ، لأن قوله: { لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } لا يَلِيْقُ بالمؤمنينَ، وكذلك الحسَنَةُ من غيرِ الله. وَقِيْلَ: نزلت في قَوْمٍ من المؤمنين لم يكونُوا راسخين في العِلْْمِ، قالوا هذا القولَ؛ لأنَّهم رَكَنُوا إلى الدُّنيا وآثرُوا نعيمَها على القتالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ }؛ أي قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: منفعةُ الدُّنيا يسيرةٌ تنقطعُ وتقضى، والاستمتاعُ بها قليلٌ؛ لأن الجديدَ منها إلى البلَى، والشابُّ منها إلى الهرمِ والإنقضاء.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ }؛ أي وثوابُ الآخرةِ أفضلُ لِمن اتَّقَى المعاصي، { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }؛ أي ولا يُنْقَصُونَ من جَزَاءِ أعمالِهم الذي استحقُّوه مقدارَ الفتيلِ، وقد تقدَّم تفسيرُ الفتيلِ.