قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ }؛ اختلَفُوا في هذا المؤمنِ، فقال بعضُهم: كان قِبْطِيّاً من آلِ فرعون، غيرَ إنه كان آمَنَ بموسى وكان يكتمُ إيمانه من فرعون وقومه خَوفاً على نفسهِ.
وقال مقاتلُ والسديُّ: (كَانَ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ)، وَهُوَ الَّذِي حَكَى اللهُ عَنْهُ { { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } [القصص: 20]، وهذا هو الأشير وكان اسمهُ حِزقِيلُ، وَقِيْلَ: حِزْبيلُ. وقال بعضُهم كان إسرَائِيليّاً، وتقديرُ الآية: وقال رجلٌ مُؤمِنٌ يكتمُ إيمانهِ مِن آلِ فرعون.
وقولهُ تعالى: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } أي لأَنْ يقولَ رَبيَ اللهُ، وقد جاءَكم بالبيِّنات من ربكم بما يدلُّ على صدقهِ من المعجزات، { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ }؛ لا يضرُّكم ذلك، { وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ }؛ أي يُصِبكُمْ كلُّ الذي يَعِدُكم من العذاب إنْ قتلتموهُ وهو صادقٌ.
والمرادُ بالبعضِ الكلَّ في هذه الآيةِ، وقال الليثُ: (بَعْضُ هَا هُنَا زَائِدَةٌ؛ أيْ يُصِبْكُمُ الَّّذِي يَعِدُكُمْ)، وقال أهلُ المعاني: هذا على الْمُظَاهَرَةِ في الحِجَاجِ، كأنهُ قالَ لَهم: أقلُّ ما يكون في صِدقهِ أنْ يُصِبكُم بعضُ الذي يَعِدْكم وفي بعضِ ذلك هَلاكُكم)، فذكرَ البعضَ ليُوجِبَ الكلَّ، ويدلُّ على ذكر البعضِ بمعنى الكلِّ، قال لبيد:
تَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذا لَمْ أرْضَهَا أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
أراد كلَّ النُّفُوسِ، ومثلُ قولِ الآخر.
قَدْ يُدْركُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
وقولهُ تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }؛ أي لا يهدِيهِ في الآخرةِ إلى جنَّتهِ وثوابهِ. والمسرِفُ هو المتجاوزُ عن الحدِّ في المعصيةِ.