التفاسير

< >
عرض

تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٥
-الأحقاف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }؛ أي تُهلِكُ كلَّ شيءٍ مرَّت به من الناسِ والدواب والأموالِ { فَأْصْبَحُواْ }؛ يعني عاداً؛ { لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ }؛ قال الزجاج: (معناهُ لا ترَى شيئاً إلاَّ مساكنَهم، والمعنى: لا ترَ أيُّها المخاطَبُ إلاَّ مساكِنَهم، لأنَّ السُّكَّانَ والأنعامَ بادت بالريحِ).
قال ابنُ عبَّاس: (فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ هُودٌ وَمَنْ مَعَهُ)، وعن ابنِ عبَّاس قالَ: (لَمَّا رَأوا الْعَارضَ قَامُواْ، فَأَوَّلُ مَا عَرَفُوا أنَّهُ عَذابٌ رَأوا مَا كَانَ خَارجاً مِنْ دِيَارهِمْ مِنَ الرُّعَاةِ وَالْمَوَاشِي تَطِيرُ بهِ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرَأوا الْفَسَاطِيطَ وَالضَّعَائِنَ تُرْفَعُهَا الرِّيَاحُ كَأَنَّهَا جَرَادٌ فَدَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَأغْلَقُوا عَلَى أنْفُسِهِمُ الأَبْوَابَ، فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَقَلَعَتْ أبْوَابَهُمْ وَاحْتَمَلَتْهُمْ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، ثُمَّ هَرَعَتْهُمْ وَأهَالَتْ الرِّمَالَ، فَكَانُواْ تَحْتَ الرَّمْلِ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً لَهُمْ أنِينٌ، ثُمَّ أمَرَ اللهُ بَعْدَ ذلِكَ فَاحْتَمَلَتْهُمْ فَرَمَتْ بهِمْ فِي الْبَحْرِ).
وقرأ الأعمشُ وحمزة وعاصم ويعقوب (فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى) بياءٍ مضمومة (إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ) بالرفع أي لا ترَى الناسُ إلاَّ مساكنَهم لأنَّهم كانوا تحتَ الرَّملِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }؛ أي هكذا نَجزِي مَن أجرمَ جُرمَهم بمثلِ ما جازَيناهم. وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت:
"كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا رَأى الرِّيحَ فَزِعَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بهِ، وَأعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بهِ وَكَانَ يَقُومُ وَيَقْعُدُ وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَيَقُولُ: إنِّي أخَافُ أنْ تَكُونَ مِثْلَ قَوْمٍ هُودٍ حَيْثُ قَالُوا: هَذا عَارضٌ مُمْطِرُنَا" .