التفاسير

< >
عرض

وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٩
-الفتح

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا }؛ معناهُ: ومغانِمَ كثيرةً يأخذُونَها من أموالِ يهود خيبرَ، وكانت خيبرُ ذات عقارٍ وأموالٍ، { وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً }؛ أي غَالباً، { حَكِيماً }؛ في أمرهِ، حكَمَ لهم بالغنيمةِ، ولأهلِ خيبرَ بالسَّبي والهزيمةِ.
وعن أنسٍ رضي الله عنه:
"وأنَا رَدِيفَ أبي طَلْحَةَ يَوْمَ أتَيْنَا إلَى خَيْبَرَ، فَصَبَّحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أخَذُواْ مَسَاحِيهِمْ وَفُؤُوسَهُمْ وَغَدَوا عَلَى حُرُوثِهِمْ، فَلَمَّا رَأوْنَا ألْقَواْ ما بأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللهُ أكْبَرُ، خَرِبَتْ خيْبَرُ، إنَّا إذا نَزَلْنَا بسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذرينَ" .
وعن عبدِاللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبيِهِ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى خَيْبَرَ، سَرَيْنَا لَيْلاً وَعَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ مَعَنَا وَكَانَ شَاعِراً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: ألاَ تُسْمِعُنَا يَا عَامِرُ، فَنَزَلَ يَحْدُوا بالْقَوْمِ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:"

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
هُمُ الَّذِينَ بَغَواْ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
فَاغْفِرْ بفَضْلِكَ مَا أتَيْنَا وَثَبتِ الأَقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا
وَألْقِيَنَّ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا

"قَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَذا؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: قَدْ غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ يَا عَامِرُ فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أمْتَعْتَنَا بهِ يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم). وإنما قالَ ذلكَ؛ لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما استغفرَ لرجُلٍ قطُّ إلاَّ استُشهِدَ.
قالَ: (فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ وَتَصَافَّ الْقَوْمُ، خَرَجَ يَهُودِيٌّ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ وَهُوَ يَقُولُ:"

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنِّي عَامِرُ شَاكِي السِّلاَحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ

"وَاخْتَلَفَا بضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ الْيَهُودِيِّ فِي تِرْسِ عَامِرٍ، وََوَقَعَ سَيْفُ عَامِرٍ عَلَى رُكْبَةِ نَفْسِهِ وَسَاقِهِ فَمَاتَ مِنْهَا. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: فَمَرَرْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأنَا أبْكِي فَأَخْبَرْتُهُ بذلِكَ، فَقَالَ: كَذبَ مَنْ قَالَ ذلِكَ، بَلْ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.
ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً رضي الله عنه وَكَانَ حِيْنَئِذٍ أرْمَدَ قَدْ عَصَبَ عَيْنَهُ بشِِقِّ بُرْدٍ، قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: فَجِئْتُ بهِ أقُودُهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: رَمَدْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرِئَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَمَا وُجِعَتْ عَيْنَاهُ بَعْدَ ذلِكَ أبَداً حَتَّى مَضَى سَبيلُهُ. ثُمَّ أعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ فَهَدَى بهَا وَعَلَيْهِ حُلَّةُ أُرْجُوَانٍ حَمْرَاءُ، فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ، فَخَرَجَ مَرْحَبُ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ وَحَجَرٌ قَدْ ثَقَبَهُ مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأسِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:"

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
أطْْعَنُ أحْيَاناً وَحِينَا أضْرِبُ إذا الْحُرُوبُ أقْبَلَتْ نَلْتَهِبُ
كَانَ حِمَايَا مَانِعاً لاَ يَقْرَبُ

"فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَقَالَ:"

أنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ كَلَيْثِ غَابَاتٍ شَدِيدٍ قَسْوَرَهْ
أكِيلُكُمْ بالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

"فَاخْتَلَفَا بضَرْبَتَيْنِ، فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه بالضَّرْبَةِ فَقَدَّ الْحَجَرَ وَالْمِغْفَرَ وَفَلَقَ رَأسَهُ فَوَقَعَ مَيِّتاً، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ).
ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبَ أخُوهُ يَاسِرُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:"

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنِّي يَاسِرَهْ شَاكِي السِّلاَحِ بَطَلٌ مُعَاقِرَهْ
إذا اللُّيُوثُ أقْبَلَتْ مُبَادِرَهْ إنَّ سِلاَحِي فِيْهِ مَوْتٌ حَاضِرَهْ

"فَخَرَجَ إلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رضي الله عنه وَهُوَ يَقُولُ:"

قَدْ عَلِمْتَ أنِّي زُبَارُ قَوْمٍ لِقَوْمٍ غَيْرُ نَاكِثٍ فَرَّار
ابْنُ حُمَاةِ الْمَجَدِ وابْنُ الأَخْيَار يَاسِرُ لاَ يَغْرُرْكَ جَمْعُ الْكُفَّار
فَجَمْعُهُمْ مِثْلُ السَّرَاب جَار

"فَقَالَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ بنْتُ عَبْدِالْمُطَّلِب: أيُقْتَلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ابْنُكِ يَقْتُلُهُ. ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَتَلَهُ زُبَيْرٌ.
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْتَحُ الْحُصُونَ حِصْناً حِصْناً، وَيَحُوزُ الأَمْوَالَ، فَلَمَّا أمْسَى النَّاسُ أوْقَدَ نِيرَاناً كَثِيراً، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإِنْسِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوا الْقُدُورَ فَقَالُوا: نُهدِيكَ الْقُدُورَ وَنَغْسِلُهَا، فَقَالَ: هِيَ أوْ ذاكَ.
ثُمَّ أتِيَ رَسُولُ اللهِ بصَفِيَّةَ بنْتِ حَييِّ بْنِ أخْطَبَ وَبأُخْرَى مَعَهَا، أتَى بهِمَا بلاَلٌ رضي الله عنه، فَلَمَّا رَأتِ الْمَرْأةُ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ الْقَتْلَى مِنَ الْيَهُودِ صَرَخَتْ وَصَكَّتْ وَجْهََهَا وَحَسَتِ التُّرَابَ عَلَى رَأسِهَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إعْزِلُوا عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ وَأمَرَ بصَفِيَّةَ فَأُجْلِسَتْ خَلْفَهُ وَألْقَى عَلَيْهَا ردَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ أصْفَاهَا لِنَفْسِهِ.
وَكَانَتْ قَدْ رَأتْ فِي مَنَامٍ وَهِيَ عَرُوسُ كِنَانَةَ بْنَ رَبيعٍ أنَّ قَمَراً وَقَعَ فِي حِجْرِهَا، فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً اخْضَرَّتْ عَيْنَاهَا مِنْهَا، وَقَالَ: إنَّكِ تَتَمَنِّينَ مَلِكَ الْحِجَاز مُحَمَّداً.
فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللهِ خُضْرَةَ عَيْنِهَا سَأَلَهَا عَنْ ذلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَأُوتِيَ مِنْ زَوْجِهَا كِنَانَةَ بْنِ الرَّبيعِ كَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَأَلَهُ إيَّاهُ فَجَحَدَهُ أنْ يَكُونَ عَالِماً بمَكَانِهِ. فَجَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: فَإنِّي قَدْ رَأيْتُ كِنَانَةَ يَطُوفُ بهَذِهِ الْخِرْبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِكِنَانَةَ: أرَأيْتَ إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ أأقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْخِرْبَةِ فَحُفِرَتْ، فَأُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضُ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ مَا بَقِيَ فَأَبَى أنْ يُؤَدِّيَهُ، فَأَمَرَ بهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَضُرِبَ عُنُقُهُ"
.