التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-الحجرات

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }؛ وذلك: أنَّ قَوْماً مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ تَمِيمٍ، بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ سَرِيَّةُ، وَأمَّرَ عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْفَزَّاريُّ، فَهَرَبُوا فَسَبَى ذرَاريهِمْ وَنِسَاءَهُمْ وَجَاءَ بهِمْ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رجَالُهُمْ لِيُفَادُوا ذرَاريهِمْ، فَدَخَلُواْ الْمَدِينَةَ عِنْدَ الْقَيْلُولَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ.
فَلَمَّا أبْصَرَهُمُ الْعِيَالُ بَكَوا عَلَيْهِمْ، فَنَهَضُواْ وَعَجَّلُواْ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ إلَيْهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلُوا يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنَا، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ نَائِماً، فَتَأَذى بأَصْوَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوْا فِي أيِّ حُجْرَةٍ هُوَ، فَجَعَلُواْ يَطْرِقُونَ عَلَى جَميعِ حُجُرَاتِهِ، وَكَانَ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُجْرَةٌ وَبَيْتٌ، فطَافُوا عَلَى جَمِيعِ الْحُجُرَاتِ وَهُمْ يُنَادُونَ: اخْرُجْ عَلَيْنَا.
وقولهُ تعالى: { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } وصَفَهم اللهُ بالجهلِ وقلَّة العقلِ وقلَّة الصبرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }؛ يعني ولَو أنَّهم صبَرُوا حتى تخرجَ إليهم للصَّلاة لَخَلَّى سبيلَهم بغيرِ فداءٍ، فلما نادَوهُ وأيقظوهُ أعتَقَ نصفَ ذرَاريهم وفادَى نِصفَهم بقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ } كُنتَ تَعتِقُ كُلَّهم، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }؛ لِمَن تابَ منهم.