التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١١٠
-المائدة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ }؛ معناهُ: واذكُروا أيُّها المؤمنون { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى }، ويجوز أنْ يكون عَطفاً على قولِهِ: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } تقديرهُ: إذ يقولُ الله: يا عيسَى بنَ مريَم، إلاَّ أنه ذكرَهُ بلفظ الماضِي لتقديم ذكرِ الوقت.
ومعنى الآيةِ: أظْهِرْ مِنَّتِي عليكَ بالنبوَّة وعلى أمِّك بأن طهَّرتُها واصطفيتُها على نساءِ العالَمين؛ ليكون حجَّة على من كَفَرَ وادَّعاكَ إلهاً، فيكون ذلك حسرةً وندامةً عليهم يومئذٍ. والفائدةُ في ذكرِ أمِّهِ: أنَّ الناس تكلَّمُوا فيها كما تكلَّمُوا فيه.
ثم عدَّ الله نِعمَةً نعمةً: { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ }؛ أعَنتُكَ وقرَّبتُكَ بجبريلَ الطاهر حين حاولَتْ بني إسرائيل قتلَكَ، ويقال: أيَّدتُكَ به في الحجَّة في كلِّ أحوالِكَ.
وقوله تعالى: { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } انتصبَ (ابْنَ مَرْيَمَ) لأنه مُنادَى مضافٌ؛ أي يا عيسى يا ابنَ مريمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ } معناهُ: اذكر نِعمَتي، لفظة واحدةٌ ومعناها الجمعُ، كقوله تعالى:
{ { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] أي نِعَمَ اللهِ، لأنَّ العددَ لا يقعُ على الواحدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً }؛ أي تكلِّمُ الناسَ في حِجْرِ أمِّكَ في حالِ صِغَرِكَ، وتخاطبُهم كَهلاً بعد ثلاثين سَنة، على صفةٍ واحدة واحداً واحداً، وذلك من أعظمِ الآيات.
ويقال: أرادَ بالمهدِ الذي يُربَّى فيه الطفلُ حين قال لَهم وهو في المهدِ:
{ { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [مريم: 30]. قال الكلبيُّ: (مَكَثَ فِي رسَالَتِهِ بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً ثَلاَثِينَ شَهْراً، ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ إلَيْهِ). وَقِيْلَ: ثلاثَ سنين، ثم رُفع إلى السَّماء وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سَنة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ }؛ أي علَّمتُكَ كُتبَ الأنبياء قبلَك والفهمَ، ويقال: أرادَ بالكتاب الخطَّ بالقلمِ، وأرادَ بالحكمةِ كلَّ صوابٍ منهنَّ من قول أو فعلٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي }؛ معناهُ: إذ تُصوِّرُ من الطينِ كَشِبهِ الْخُفَّاشِ بأمرِي، { فَتَنفُخُ فِيهَا }؛ أي في الهيئةِ، { فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي }؛ يطيرُ بين السَّماء والأرضِ بأمرِ الله، ويكون النفخُ كنفخِ الرَّاقِي.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي }؛ الأكمَهُ: الذي وُلد أعمَى، والأَبْرَصُ: الذي لا تعالِجهُ الأطبَّاء، وهو الذي إذا غُرزَ الإبرةَ لا يخرجُ منه الدَّم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ }؛ أي الموتَى تخرِجُهم من قُبورهم احياءَ بإرادتِي، والمرادُ أنَّ الله تعالى كان يأذنُ له في المسألةِ والدُّعاء، فيقعُ ذلك عن اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ }؛ معناه وإذ صَنعتُ (صَرَفْتُ) أولادَ يعقوب عنكَ حين هَمَّوا بقتلِكَ، { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ }؛ أي بالمعجزاتِ الدالَّة على رسالتِكَ، { فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا }؛ أي ما هذا الذي يُرينا عيسى، { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }؛ سحرٌ ظَاهِرٌ. ومن قرأ (سَاحِرٌ مُبينٌ) أراد به عيسَى عليه السلام.