قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ }؛ يعني الْمَلَكَ الذي يكتبُ عملَهُ السَّيِّءَ في الدُّنيا يقول: هذا الذي كَتَبتهُ من عملهِ مُعَدٌّ محفوظٌ مُحصَى، يعني أن الملَك يقولُ: لديه هذا الذي وكَّلتَني به قد أحضَرتهُ، فيقولُ الله تعالى لقَرينهِ: { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ }؛ إطرَحا فيها، { كُلَّ كَفَّارٍ }؛ بالله وبنعمتهِ، { عَنِيدٍ }، مُعرضٍ عن الإيمانِ والقرآنِ إعراضَ المضَادِّ له. وهذا خطابُ الواحدِ بلفظ التَّثنِيَةِ على عادةِ العرب، يقولون للواحدِ: ارحلاها وآزجراها. وَقِيْلَ: الخطابُ لخازنِ النَّار، ومخاطبَةُ الواحدِ بلفظ الاثنين من فصيحِ كلامِ العرب، ومنه قولُهم للواحد في الشِّعر (خَلِيلَيَّ)، قال امرؤُ القيسِ:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بي عَلَى أُمِّ جُنْدَب نُقَضِّ لُبَانَاتٍ لِلْفُؤَادِ الْمُعَذب
وقالَ:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ بسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
وقال الفرَّاءُ والسديُّ وأبو ثروان:
فَإنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أنْزَجِرْ وَإنْ تَدَعَانِي أحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعَا
ومنه قولُ الحجَّاج: (يَا حَرَسِيُّ إضْرِبَا عُنُقَهُ)، قال الزجَّاجُ: (تَثْنِيَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْخِطَابُ لِلْمُتَلَقِّينَ مَعاً، وَالسَّائِقُ وَالشَّهِيدُ جَمِيعاً)، وقرأ الحسنُ: (ألْقَيْنَ) بنونِ التأكيد كقوله تعالى: { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } [العلق: 15].