التفاسير

< >
عرض

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
-الرحمن

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ }؛ أي يرسِلُ على مَن استحقَّ منكما بمعاصيهِ لهبٌ من النار، والشُّوَاظُ: اللهبُ الذي لا دخانَ فيه. وقرأ ابنُ كثير (شِوَاظٌ) بكسر الشين وهي لغةُ أهلِ مكة، قال حسانُ يهجو أُميَّة بن أبي الصَّلت:

هَجَوْتُكَ فَاخْتَضَعْتَ لَهَا بذُلٍّ بقَافِيَةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ

قَوْلُهَ تَعَالَى: { وَنُحَاسٌ }؛ قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو: (وَنُحَاسٍ) بالخفض عَطفاً على النار، وقرأ الباقون بالرفعِ عطفاً على الشُّواظ. واختلَفوا في معنى النُّحاسِ، قال ابنُ عبَّاس: (هُوَ الدُّخانُ) وأكثرُ القراءةِ فيه بالرفعِ عَطفاً على (شُواظٌ)، والمعنى: يرسلُ عليكما شِوَاظٌ، ويرسل نحاسٌ؛ أي يرسِلُ هذا مرَّة وهذا مرَّةً، ويجوز أن يُرسَلا معاً من غيرِ أن يمتزجَ أحدُهما بالآخرِ. وَقِيْلَ: النحاسُ هو الصُّفْرُ المذابُ يُصَبُّ على رُؤوسِهم، وقال مقاتلُ: (هِيَ خَمْسَةُ أنْهَارٍ مِنْ صُفْرٍ مُذابٍ تَجْرِي عَلَى رُؤُوسِ أهْلِ النَّار)، قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ تَنتَصِرَانِ }؛ أي فلا تَمتَنِعَانِ عن ما يرادُ بكما.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }؛ وجهُ إنعامِ الله تعالى علَينا في إنزالِ آيات الوعيدِ: أنه تعالى لَمَّا حذرَنا من العذاب بأبلَغِ أسباب التحذيرِ حتى نتَّقِي المعاصِي خوفاً من عذابهِ، ونرغَبُ في الطاعاتِ طَعماً في ثوابهِ، كان ذلك نعمةً منه علينا فلذلك قالَ تعالى { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.