التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ
٢٠
-الحديد

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ }؛ يعني الحياةَ الدُّنيا كاللَّعب واللَّهوِ في سُرعَةِ فنائِها وانقضائها، ونظيرُ هذا قولهُ صلى الله عليه وسلم: "الطَّوَافُ بالْبَيتِ صَلاَةٌ" أي كالصَّلاة، ويقالُ: فلانٌ يجرِي كالبحرِ في السَّخاء، وفلانٌ أسَدٌ؛ أي كالأسدِ في الشَّجاعة.
وقولهُ تعالى { وَزِينَةٌ } أي منظرٌ حسَنٌ، والمعنى: إنما الحياةُ الدُّنيا لعبٌ ولَهوٌ كلعب الصبيان، وزينةٌ كزِينَةِ النِّسوانِ، { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ } كتكَاثُرِ الدُّهقان.
قال عليُّ بن أبي طالبٍ لعمَّار بن ياسرٍ: (لاَ تَحْزَنْ عَلَى الدُّنْيَا؛ فَإنَّهَا سِتَّةُ أشْيَاءٍ: مَطْعُومٌ؛ وَمَشْرُوبٌ؛ وَمَلْبُوسٌ؛ وَمَشْمُومٌ؛ وَمَرْكُوبٌ؛ وَمَنْكُوحٌ، فَأَكْبَرُ طَعَامِهَا الْعَسَلُ وَهُوَ بُزَاقُ ذُبَابَةٍ، وَأكْبَرُ شَرَابهَا الْمَاءُ وَفِيهِ يَسْتَوِي جَمِيعُ الْحَيْوَانَاتِ، وَأكْبَرُ مَلْبُوسِهَا الدِّيبَاجُ وَهُوَ نَسْجُ دُودَةٍ، وَأكْبَرُ مَشْمُومِهَا الْمِسْكُ وَهُوَ دَمُ فَأْرَةٍ أوْ ظَبْيَةٍ، وَأكْبَرُ مَرْكُوبهَا الْفَرَسُ وَعَلَيْهِ يُقْتَلُ الرِّجَالُ، وَأكْبَرُ مَنْكُوحِهَا النِّسَاءُ وَهُوَ مُبَالٌ فِي مُبَالٍ).
قَوْلُهُ تََعَالَى: { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ }؛ أي مثَلُ الدُّنيا كمثلِ مطَرٍ أعجبَ الزُّرَّاعَ نباتهُ، والكفرُ في اللغةِ هو التَّغطِيَةُ، وسُمِّي الكافرُ كافراً؛ لأنه يُغَطِّي الحقَّ بالباطلِ، والزَّارعُ يُغَطِّي الحبَّ بالأرضِ.
والمعنى: كمَثَلِ غيثٍ أعجبَ الزُّرَّاعَ ما نبتَ من ذلك الغيثِ، { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً }؛ أي ثم يَبينُ فيصير مُصْفَرّاً بعدَ خُضرَتِهِ وريِّه، { ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً }؛ أي متَكَسِّراً مفَتَّتاً تحتَ أرجُلِ الدواب، كذلك الدُّنيا تزولُ وتفنَى، كما لا يبقَى هذا الزرعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ }؛ أي عذابٌ شديد للكفَّار والمنافقِين، ومغفرةٌ من اللهِ ورضوانٌ للمؤمنين المطيعِين، وقولهُ تعالى: { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ }؛ هي في سُرعَةِ فَنائِها ونفَادِها مثل متاعِ البيت في سُرعةِ فنائه وفراغهِ وسقوطه وانكسارهِ.
وعن عليٍّ رضي الله عنه أنَّهُ كان يقولُ في صفةِ الدنيا: (أمَّا مَاضِي فحَكَم، وَأمَّا مَا يُغْنِي فَأَمَانِيُّ وَغُرُورٌ). وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا تكْثِرُ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ" .