التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠
-الجمعة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ }؛ أي إذا فَرغتُم من الصَّلاة فانتَشِرُوا في الأرضِ، هذا أمرُ إباحةٍ، قال ابنُ عبَّاس: (إنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ، وَإنْ شِئْْتَ فَصَلِّ إلَى الْعَصْرِ، وَإنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ). وكذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }؛ إباحةٌ لطلب الرِّزقِ والتجارة والبيعِ بعدَ المنعِ.
وعن ابنِ عبَّاس قال: (لَمْ تُؤْمَرُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ بِطَلَب شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَحُضُورُ جَنَازَةٍ وَزيَارَةُ أخٍ فِي اللهِ تَعَالَى). وقال الحسنُ: ({ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } يَعْنِي طَلَبَ الْعِلْمِ). والقولُ الأوَّلُ أظهرُ.
واختلفَ العلماءُ في موضعِ وجُوب الْجُمعةِ، وعلى مَن تجبُ، وكم يشتَرطُ له الجماعةُ؟ فقال أبو حنيفةَ: (لاَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام:
"لاَ جُمُعَةَ وَلاَ تَشْرِيقَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ" وَلاَ تَصِحُّ فِي الْقُرَى، وَلاَ تُجِبُ عَلَى السَّوَادِ وَلَوْ قَرُبَتْ مِنَ الْمِصْرِ، إلاَّ إذا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بهِ).
وقال الشافعيُّ: (تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أهْلِ السَّوَادِ إذا سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنَ الْمِصْرِ، وَوَقْتُ اعْتِبَار سَمَاعِ الأَذانِ أنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتاً، وَالأَصْوَاتُ هَادِئَةً وَالرِّيحُ سَاكِنَةً).
وقال ابنُ عمرٍو وأبو هريرة وأنس: (تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى عَشْرَةِ أمْيَالٍ مِنَ الْمِصْرِ). وقال سعيدُ بن المسيَّب: (تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ دُونَ الْمَبيتِ). وقال الزهريُّ: (عَلَى سِتَّةِ أمْيَالٍ)، وقال ربيعةُ: (أرْبَعَةُ أمْيَالٍ)، وقال مالكُ: (ثَلاَثَةُ أمْيَالٍ).
وعندَ الشافعيِّ: (تَجِبُ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا أرْبَعُونَ رَجُلاً أحْرَاراً بَالِغِينَ، لاَ يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلاَ صَيْفاً إلاَّ ظَعْنَ حَاجَةٍ، فَإذا كَانَ كَذلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ. وَإنْ كَانَ أقَلَّ مِنْ ذلِكَ، وَكَانَ بقُرْبهَا مَوْضِعٌ تُقَامُ فِيْهِ الْجُمُعَةُ، فَعَلَيْهِمُ الْحُضُورُ فِيْهِ لِلْجُمُعَةِ إذا كَانُوا بحَيْثُ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ). وقال مالكُ: (إذا كَانَتِ الْقَرْيَةُ فِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ وَجَبَ عَلَيهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ).
وأما أهلُ الوجوب، فتجبُ الجمُعة على كلِّ مسلمٍ إلاَّ على أربعة: عبدٌ؛ أو مريض؛ أو مسافرٌ؛ أو امرأةٌ، فمَنِ استغنَى عنها بلهوٍ أو تجارةٍ استغنَى اللهُ عنه، واللهُ غنيٌّ حميد.
وأما العددُ الذين تنعقد بهم الجمعةُ، فقال الحسنُ: (تَنْعَقِدُ باثْنَيْنِ)، وقال أبو يوسف والليثُ بن سعد: (بثَلاَثَةٍ)، وقال أبو حنيفةََ ومحمَّد وسفيان: (بأَرْبَعَةٍ)، وقال ربيعةُ: (باثْنَي عَشَرَ)، وقال الشافعيُّ: (لاَ تَنْعَقِدُ إلاَّ بأَرْبَعِينَ).