التفاسير

< >
عرض

مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
-القلم

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ }؛ أي كثير المنعِ للخير، وكان الوليدُ بن المغيرة بهذه الصِّفة يمنعُ الناسَ من اتِّباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يمنعُ أهلَهُ وولدَهُ والحميَّة عن الإسلام، يقالُ: المنَّاعُ للخيرِ البخيلُ الذي هو كثيرُ المنعِ للحقوق الواجبةِ في المال.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { مُعْتَدٍ أَثِيمٍ }؛ المعتدِي: هو الغَشُومُ الظلومُ على عبادِ الله، والأثيمُ: الكذابُ الذي هو كثيرُ الإثمِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ }؛ العُتُلُّ: شديدُ الخصومةِ بالباطلِ. وَقِيْلَ: الشديدُ الحلفِ، أكُولٌ شَرُوبٌ رحيبُ البطنِ سَرِيحٌ صحيحٌ الْجَسمِ على بطنهِ، ويُجِيعُ عبدَهُ ويمنعُ رَفْدَهُ، ومأخوذٌ من العَتْلِ وهو الشدَّةُ في السَّحب. وقِيْلَ: شديدُ الْخُلْقِ وأحسَنُ الْخَلقِ. وَقِيْلَ: هو الجافِي القاسِي اللئيمُ العَسِرُ الضَّجِرُ. وقال الكلبيُّ: (هُوَ الشَّدِيدُ فِي كُفْرِهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أي مع ما وصفناهُ به زَنِيمٌ، وَقِيْلَ: معناه عُتُلٍّ مع ذلك زَنِيمٍ، والزَّنِيمُ: الْمُلصَقُ في القومِ وليس منهم، والزَّنِيمُ هو الدَّعِيُّ، قال الشاعرُ:

زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَنْ أبُوهُ بَغِيُّ الأُمِّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمِ

وعن ابنِ عبَّاس في قوله تعالى { زَنِيمٍ } قالَ: (يُعْرَفُ بالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بزَنْمَتِهَا). وقال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ { زَنِيمٍ } أيْ هُوَ مَعَ كُفْرِهِ دَعِيٌّ فِي قُرَيْشٍ لَيْسَ مِنْهُمْ). قِيْلَ: إنما ادعاهُ أبوه إلاَّ بعدَ ثمانِي عشرةَ سنةً.
وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (الزَّنِيمُ الَّذِي لاَ أصْلَ لَهُ). قال ابنُ قتيبةَ: (لاَ نَعْلَمُ أنَّ اللهَ وَصَفَ أحَداً كَمَا ذكَرَهُ، وَلاَ بَلَغَ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبهِ كَمَا بَلَغَ عُيُوبَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، لأنَّهُ وَصَفَهُ بالْحَلْفِ وَالْمَهَانَةِ وَالْعَيْب لِلنَّاسِ وَالْمَشْيِ بالنَّمَائِمِ وَالْبُخْلِ وَالظُّلْمِ وَالإثْمِ وَالْجَفَا وَالدَّعْوَةِ، فَأَلْحَقَ بهِ عَاراً لاَ يُفَارقُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَوَّاظٌ وَلاَ جَعْظَرِيٌّ وَلاَ الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ وَقِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْجَوَّاظُ؟ قَالَ: الَّذِي جَمَعَ وَمِنْعَ تَدْعُوهُ لَظَّى نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى قِيلَ: وَمَا الْجَعْظَرِيُّ؟ قَالَ: الْفَظُّ الغَلِيظُ قِيلَ: وَمَا الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ؟ قَالَ: الشَّدِيدُ الْخَلْقِ الرَّحِيبُ الْبَطْنِ، ظَلُومٌ لِلنَّاسِ" .
قال صلى الله عليه وسلم: "تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ رَجُلٍ أصَحَّ اللهُ جِسْمَهُ وَأرْحَبَ جَوْفَهُ وَأعْطَاهُ الدُّنْيَا، فَكَانَ لِلنَّاسِ ظَلُوماً، فَذلِكَ الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ قَالَ: وَتَبْكِي السَّمَاءُ مِنَ الشَّيْخِ الزَّانِي مَا تَكَادُ الأَرْضُ تُقِلُّهُ" . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ الزِّنَا وَلاَ وَلَدُهُ وَلاَ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَأنَّ أوْلاَدَ الزُّنَاةِ يُحْشَرُونَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازيرِ" .
وقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزَالُ أُمَّتِي بخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيْهِمْ وَلَدُ الزِّنَى، فَإنْ فَشَا فِيْهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشَكُ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعِقَابٍ" ، وقال عكرمةُ: (إذا كَثُرَ أوْلاَدُ الزِّنَا قَلَّ الْمَطَرُ).