التفاسير

< >
عرض

نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
١
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
٢
-القلم

التفسير الكبير

{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (يَعني بقوله { نۤ } الحوتُ الذي على الأرضِ واسمه لوثيا، وذلك أنَّهُ لَمّا خلقَ اللهُ الأرضَ وفتَقها، بعثَ اللهُ مَلكاً من تحتِ العرش فهبط إلى الأرضِ حتى دخلَ تحت الأرضِين السَّبع، فوضعَها على عاتقهِ وإحدَى يديهِ بالمشرقِ والأُخرى بالمغرب، فلم يكن لقَدَميهِ قرارٌ، فأهبطَ اللهُ من الفردوسِ ثَوْراً له أربعون ألفَ قَرنٍ وأربعون قائمةً، وجعلَ قرارَ قدمِ الْمَلَكِ على سنامهِ، فلم تستقرَّ قَدماهُ، فخلقَ الله قوَّة خضراءَ غِلظُها مسيرةُ خمسمائة سنةٍ، فوضعَها بين سنامِ الثور وآذانه فاستقرَّتْ عليها قدماهُ، وقُرون ذلك الثور خارجةٌ من أقطار الأرض ومنخاراهُ في البحرِ، فهو يتنفَّسُ كلَّ يومٍ نَفَساً، فاذا تنفَّسَ مدَّ البحرَ، وإذا ردَّ نفسَهُ جَزَرَ، فلم يكن لقوائمِ الثور موضعُ قرارٍ، فخلقَ الله صخرةً خضراءَ كغِلَظِ سَبعِ سماوات وسبعِ أرضين، فاستقرَّت قوائمُ الثور عليها، وهي الصخرةُ التي قالَ لقمانُ لابنهِ { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } [لقمان: 16]، فم يكن للصَّخرةِ مستَقرٌّ، فخلقَ الله نُوناً، وهو الحوتُ العظيم فجعلَ الصخرةَ على ظهرهِ وسائرَ جسدهِ خالٍ، والحوتُ على البحرِ، والبحرُ على متنِ الرِّيح، والريحُ على القدرة).
وقال بعضُهم: هو اسمُ السُّورة. وَقِيْلَ: هو آخرُ حروفِ الرَّحمن وهي روايةٌ عكرمةَ عن ابنِ عبَّاس قالَ: (الر و حم و ن حُرُوفُ الرَّحْمَنِ). وقال قتادةُ والضحَّاكُ: (النُّونُ هِيَ الدَّوَاةُ)، وقال بعضُهم: هو لوحٌ من نورٍ. وقال عطاءُ: (هُوَ افْتِتَاحُ اسْمِ اللهِ تَعَالَى: نُورٌ، وَنَاصِرٌ). واختلفوا القراءةَ فيه، فقرأ بعضُهم بإظهار النون، وقرأ بعضُهم بإخفائها، وقرأ ابنُ عبَّاس بالكسرِ على إضمار حروف القَسَمِ، وقرأ عيسَى بن عمر بالفتحِ على إضمار فعل.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } قال المفسِّرون: هو القلمُ الذي كتبَ به اللوحَ المحفوظ، قال ابنُ عبَّاس: (أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، فَقِيلَ لَهُ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ). وَقِيْلَ: لَمَّا خلقَ اللهُ القلمَ، نظرَ إليه فانشقَّ نِصفَين ثم قالَ لَهُ: إجْرِ، قالَ يا رب بمَا أجرِي؟ قال: بما هو كائنٌ إلى يومِ القيامة، فجرَى على اللوحِ المحفوظ بذلك.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ:
"سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ وَهِيَ الدَّوَاةُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلٍ وَرزْقٍ وَأجَلٍ، فَكَتَبَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ مِنْ ذلِكَ" .
قوله { وَمَا يَسْطُرُونَ } يعني وما تكتبُ الملائكةُ الْحَفَظَةُ من أعمال بني آدمَ، وجوابُ القسَمِ { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } وهو جوابٌ لقولهِم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6]، فأقسمَ اللهُ تعالى بالنُّون والقلمِ وبأعمال بني آدمَ فقال: { مَآ أَنتَ }؛ يا مُحَمَّدُ؛ { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ }؛ أي ما أنت بإنعامهِ عليكَ بالنبوَّةِ والإيمانِ بمجنونٍ.