التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
-القلم

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }؛ أي على دِينٍ عظيمٍ لم أخلِقْ ديناً أحبَّ إلَيَّ، ولا أرضَى عندي منهُ، يعني الإسلامَ، ورُوي عن عكرمةَ عن ابنِ عبَّاس: (يَعْنِي الْقُرْآنَ) والمرادُ آدابُ القرآنِ كما أمرَ اللهُ به نبيَّهُ عليه السلام.
وسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِهِ، فَقَالَتْ لِلسَّائِلِ: (إقْرَأ الْعَشْرَ الَّتِي فِي أوَّلِِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَرَأهَا، فَقَالَتْ: تِلْكَ خُلُقُهُ). وَقِيْلَ: لَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِهِ، قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ، يَسْخَطُ لِسُخْطِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ).
ويقال:
"إنَّ جبريلَ عليه السلام لَمَّا جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } قال: أتَيْتُكَ يَا مُحَمَّدُ بمَكَارمِ الأَخْلاَقِ: أنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ" . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارمَ الأَخْلاَقِ، أدَّبَنِي رَبي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبي" .
ويقال: "إنَّهُ صلى الله عليه وسلم احتملَ للهِ في البلاءِ إلى أنْ قالَ حين شُجَّ في وجههِ: اللُّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ فأنزلَ اللهُ تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }" . قال الجنيد: (سَمَّى خُلُقَهُ عَظيماً لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ سِوَى اللهِ تَعَالَى). وَقِيْلَ: إنه صلى الله عليه وسلم عاشَرَهم بخُلقهِ وزايَلهم بقلبهِ، كان ظاهرهُ مع الْخَلقِ وباطنهُ مع الحقِّ! وَقِيْلَ: سَمَّى خلقَهُ عظيماً لاحتمالِ مكارمِ الأخلاق فيه.
وقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْركُ بخُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَار)، وقالَ صلى الله عليه وسلم:
"مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍِ حَسَنٍ" . وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّكُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى أحَاسِنُكُمْ أخْلاَقاً، الْمُوَطِّئُونَ أكْنَافاً، الَّذِينَ يُؤْلَفُونَ وَيَأْلَفُونَ. وَأبْغَضُكُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى الْمَشَّاءونَ بالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإخْوَانِ، الْمُلْتَمِسُونَ لِلْعَثَرَاتِ" .