التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٤٢
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ
٤٣
-القلم

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } معناهُ: يومَ يُكشَفُ عن الأمُور الشدائدِ وهو يومُ القيامةِ، وهذا مما كَثُرَ استعمالهُ في كلامِ العرب على معنى يومٍ يشتدُّ الأمرُ كما يشتدُّ ما يحتاجُ إلى أن يكشفَ فيه عن ساقٍ، ومِن ذلك قولُهم: قَامَتِ الحربُ على ساقٍ، وكَشَفَتْ عن ساقٍ، وإن لم يكن للحرب ساقٌ.
وانتصبَ قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ } على الظَّرفِ لقوله { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ } في ذلك اليومِ لتَنفَعهم أو تشفعَ لهم، وعن عكرمةَ قالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } فَقَالَ: إذا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ، فَإنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَب، أمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَالْخَيْلُ تَعْدُو عِنْدَ وَقْتِ الإشْرَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بنَا عَلَى سَاقِ

أي يومُ القيامة يومُ كَرْبٍ وشدَّة، وقال ابنُ قتيبة: (أصْلُ هَذا أنَّ الرَّجُلَ إذا وَقَعَ فِي أمْرٍ عَظيِمٍ يَحْتَاجُ إلَى الْجِدِّ فِيْهِ يُشَمِّرُ عَنْ سَاقَيْهِ) فاستُعيرَ الكشفُ عن الساقِ في موضع الشدَّة، وقال دريدُ بن الصمَّة يرثِي أخاهُ:

كَشَمْسِ الإزَار خَارجٌ نِصْفُ سَاقِهِ صَبُورٌ عَلَى الْجَلاَ طَلاَّعُ أنْجُدِ

يقالُ للأمرِ إذا اشتدَّ وتفاقمَ وتراكبَ غمُّهُ وكشفَ عن ساقهِ يومَ يشتدُّ الأمرُ، كما يشتدُّ ما يحتاجُ إليه إلى أنْ يكشفَ عن ساقٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } قال المفسِّرون: يسجدُ الخلق كلُّهم سجدةً واحدةً، ويبقى الكفَّارُ والمنافقون يرِيدُون أن يسجُدوا فلا يستطيعون، كما رُوي: أن أصلاَبَهم يومئذٍ تصيرُ عَظْماً واحداً مثلَ صَيَاصِيِّ البقرِ، يعني قُرونَها. ويقالُ: يأمرُ الله أهلَ القيامةِ بالسُّجود، فمَن كان يسجدُ له في الدُّنيا قَدَرَ على السُّجود في الآخرةِ، ومَن لا فلاَ، فيكون ذلك أمارَةَ تَمييزِ المؤمن من الكافرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ }؛ أي ذليلةً، وذلك إذا عايَنوا النارَ، وأيقَنُوا بالعذاب. قَوْلُهُ تَعَالَى: { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ }؛ أي تَغشَاهُم ذِلَّةُ الندامةِ والحسرةِ، وتعلُوهم كآبةٌ وحزنٌ وسوادُ الوجهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ }؛ يعني وقد كَانُوا يُدعَون بالأذانِ في الدُّنيا، ويُؤمَرون بالصلاةِ المكتوبَة، { وَهُمْ سَٰلِمُونَ }؛ أي مُعَافُون ليس في أصلابهم مثل سَفَافِيدِ الحديدِ.