التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
٢٩
فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٠
-الأعراف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ }؛ أي بالعدل والصَّواب، وقال ابنُ عبَّاس: (لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ)، وقال الضَّحاكُ: (بالتَّوْحِيْدِ). { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }؛ قال مجاهدُ والسُّدِّيُّ: (أيْ تَوَجَّهُوا إلَى الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ أدَاءً عِنْدَ كُلَّ مَسْجِدٍ)، وقال الكلبيُّ: (مَعْنَاهُ: إذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَأنْتُمْ فِي مَسْجِدٍ، فَصَلُّوا فِيْهِ وَلاَ يَقُولَنَّ أحَدُكمْ: أُصَلِّي فِي مَسْجِدِي، وَإذا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَلْيَأْتِ أيَّ مَسْجِدٍ شَاءَ، وَلْيُصَلِّ فِيْهِ).
وهذه الآية تدلُّ على وُجُوب فعلِ الصَّلاةِ المكتوبة في الجماعةِ، وقد رُويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قَالَ:
"مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ" . وقال صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أنْظُرُ إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجَمَاعَاتِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ"
]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ }، أي مُخْلِصِيْنَ لهُ الطاعةَ والعبادةَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }؛ أي خَلَقَكُمْ حين خَلَقَكُمْ مؤمناً وكافراً؛ وشَقِيّاً وسَعِيداً، فكما خلقَكم فكذلك تعودون إليه يومَ القيامةِ، { فَرِيقاً هَدَىٰ }؛ وهم المؤمنونَ، { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ }؛ وهم أهلُ الكفرِ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاس، كما قالَ تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [التغابن: 2] ثم يعيدُهم يومَ القيامةِ كما بدأ خَلْقَهُمْ مؤمناً وكافراً، فَيَبْعَثُ المؤمنَ مؤمناً؛ والكافرَ كافراً.
وقال الحسنُ ومجاهدُ: (مَعْنَاهُ: كَمَا بَدَأْكُمْ فَخَلَقَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَم تَكُونُوا شَيْئاً، كَذلِكَ تَعُودُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أحْيَاءً).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }؛ أي إنَّ أهْلَ الضَّلالةِ اتَّخذُوا الشياطينَ أولياءَ بطاعتِهم فيما دَعَوهُم إليه، { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }؛ أي يَظُنُّونَ أنَّهم على الْهُدَى.