قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }؛ أي إذا أقبلَ بظَلامهِ، وَقِيْلَ: إذا أدبرَ بظَلامهِ. والعَسُّ: طلبُ الشَّيء بالليلِ، ومنه العَسَسُ، ويقالُ: عَسْعَسَ الليلُ إذا أقبلَ، وعَسْعَسَ إذا أدبرَ، وهو مِن الأضدادِ، إلاّ أنَّ ما بعدَ هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ المرادَ به أدبرَ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }؛ أي إذا امتدَّ ضَوؤهُ حتى يصيرَ نَهاراً بيِّناً، ومنه تنَفَّسَ الصُّّعَدَاءَ، ومنه امتدادُ نَفَسِ الخوفِ بالخروج من الأنفِ والفمِ.
ثم ذكرَ جوابَ القسَمِ فقال:
قال تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }؛ يعني القرآنَ أتَى به جبريلُ عليه السلام من عندِ الله وهو رسولٌ كريمٌ، فقرأهُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ }؛ يعني جبريلَ عليه السلام ذي قوَّة فيما كُلِّفَ وأُمِرَ به، ومن قوَّته أنه قَلَبَ قُرى قومِ لوطٍ وهي أربعُ مدائنَ، في كلِّ مدينةٍ أربعمائة ألف مُقاتل سِوَى الذراري، فحمَلَهم من الأرضِ السُّفلى بقوادِمِ جناحهِ، ورفعَها إلى السَّماء حتى سَمِعَ أهلُ السَّماء أصواتَ الدَّجاجِ ونباحَ الكلاب، ثم قلبَها بأمرِ الله فَهَوَتْ بهم، كلُّ هذا من غيرِ كُلفَةٍ لَحِقَتْهُ.
قًوْلُهُ تَعَالَى: { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } عند خالقِ العرش ومالكِهِ، وَحْيُهُ رفيعُ القدر، يقالُ: فلانٌ مَكِينٌ عند الأمينِ؛ أي ذُو قدرٍ ومَنْزلةٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ }؛ أي مُطاعٍ في السَّماوات، يطِيعهُ أهلُ السَّماوات بأمرِ الله تعالى، يقالُ: فرضَ طاعتَهُ على أهلِ السَّماء كما فرضَ طاعةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأرضِ على أهلِ الأرض. وقوله { أَمِينٍ } أي فيما يؤدِّي عن اللهِ إلى أنبيائهِ عليهم السَّلامُ، حَقِيقٌ بالأمانةِ فيه، لم يَخُنْ ولم يَخُون.