التفاسير

< >
عرض

قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
-البروج

التفسير الكبير

هذا جوابُ القسَمِ، تقديرهُ: لقد قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ، والمعنى: قتلَتهُم النارُ. والأُخْدُودُ: شَقُّ يُشَقُّ في الأرضِ، جمعُها أخَادِيدُ. ويجوز أنْ يكون معنى (قُتِلَ): لُعِنَ على الدُّعاء عليهم.
وقصَّة ذلك ما رُوي: أنَّ رَجُلاً مِنَ النَّصَارَى كَانَ أجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً، فَرَأتِ ابْنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ النُّورَ فِي الْبَيْتِ لِقِرَاءَةِ الأَجِيرِ الإنْجِيلَ، فَذكَرَتْ ذلِكَ لأَبيهَا فَرَمَقَهُ حَتَّى رَآهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذلِكَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمْ يَزَلْ بهِ حَتَّى أخْبَرَهُ أنَّهُ عَلَى دِينِ عِيسَى، وَكَانَ ذلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ نَبيِّنَا صلى الله عليه وسلم، فَتَابَعَهُ هُوَ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ إنْسَاناً مِنْ بَيْنِ رَجُلٍ وَامْرَأةٍ.
فَأَخْبَرَ مَلِكَ الْيَهُودِ وَاسْمُهُ يُوسُفُ بْنُ ذِي نُؤَاسٍ الْحِمْيَرِيِّ، فَخَدَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَأوْقَدَ فِيْهِ النَّارَ، وَطَرَحَ فِيهِ النِّفْطَ وَالْقَصَبَ والْقَطِرَانَ، وَعَرَضَهُمْ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، فَمَنْ أبَى مِنْهُمْ أنْ يَتَهَوَّدَ دَفَعَهُ فِي النَّار، وَمَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِ عِيسَى تَرَكَهُ. وَكَانَ فِي آخِرِهُمْ امْرَأةٌ مَعَهَا صَبيٌّ رَضِيعٌ، فَلَمَّا رَأتِ النَّارَ صَدَّتْ، فَقَالَ لَهَا الصَّبيُّ: يَا أُمَّاهُ قِفِي فَمَا هِيَ إلاَّ غُمَيْضَةٌ، فَصَبَرَتْ فَأُلْقِيَتْ فِي النَّار، وَارْتَفَعَتِ النَّارُ أرْبَعِينَ ذِرَاعاً، فَأَحْرَقَتِ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانوُا حَوْلَ الأُخْدُودِ.
قال ابنُ عبَّاس: (كَانُوا يَطْرَحُونَهُمْ فِي النَّار، فَمَنْ أبَى مِنْهُمْ ضَرَبُوهُ بالسِّيَاطِ حَتَّى ألْقَوْهُمْ جَمِيعاً فِي النَّار، فَأَدْخَلَ اللهُ أرْوَاحَهُمُ الْجَنَّةَ قَبْلَ أنْ تَصِلَ أجْسَامُهُمْ إلَى النَّار).
وعن وهب بن منبه، (أن رجُلاً كان على دينِ عيسى، فوقعَ في نجرانَ فدعاهُم فأجابوهُ، فسارَ إليه ذو نُؤَاسٍ اليهوديِّ بجنُودهِ من حِميَرَ، وخيَّرهم بين النار واليهوديَّة، فخدَّ لهم الأخَادِيدَ وحرَّقَ اثنى عشرَ ألفاً). وقال الكلبيُّ: (كَانَ أصْحَابُ الأُخْدُودِ سَبْعِينَ ألْفاً).
ورُوي: أن اليهودَ لَمَّا ألقوا مَن كان على دينِ عيسى، كان معهم امرأةٌ معَها ثلاثةُ أولادٍ أحدُهم رضيعٌ، فقالَ لها الملِكُ: ارجعِي عن دينكِ وإلاَّ ألقيتُكِ وأولادَكِ في النار. فأَبَتْ. فأخذ ابنَها الأكبرَ فألقاهُ في النار، ثم قالَ لها: ارجعِي عن دينكِ، فَأَبتْ.
فأخذ ابنَها الثانِي فألقاهُ في النار، ثم قالَ لها: ارجعِي عن دينكِ، وأخذ الطفلَ منها ليُلقيَهُ في النار، فهمَّتْ بالرُّجوع عن دينِها، فقال لها الطفلُ: يا أماهُ لا ترجعِي عن الإسلامِ واصبرِي فإنَّكِ على الحقِّ، فأُلقِيَ الطفلُ وأُمُّه في النار، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } الأخدودُ: هي الْحُفَرُ المشقوقةُ في الأرضِ مستطيلةٌ وجمعها أخَادِيدُ، يقال: خَدَدْتُ في الأرضِ؛ أي شققتُ فيها حفرةً طويلة، وعن عطيَّة قال: (خَرَجَتْ عُنُقٌ مِنَ النَّار فَأَحْرَقَتِ الْكُفَّارَ عَنْ آخِرِهِمْ).