التفاسير

< >
عرض

قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
٢٩
-التوبة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }؛ معناه: قاتِلُوا اليهودَ والنصارى الذين لا يؤمنون بآياتِ الله التي أنزلَها على نبيِّه صلى الله عليه وسلم. وَقِيْلَ: معنى قولهِ { لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ }، أي كانوا يَصِفُونَ اللهَ سبحانه بصفةٍ لا تليقُ به، لأن اليهودَ مُثَنِّيَةٌ والنَّصارى مُثَلِّثَةٌ. وقولهُ تعالى: { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي لا يحرِّمون الخمرَ والخنْزِير ونحوَ ذلك مما لم يُقِرُّوا بتحريمهِ.
وقولُه تعالى: { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ }؛ أي لا يعتقدون دينَ الإسلامِ ولا يخضعون لله بالتوحيدِ، وَقِيْلَ: معنى { دِينَ ٱلْحَقِّ } أي دينَ اللهِ؛ لأن اللهَ هو الحقُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }؛ يعني اليهودَ والنصارى، { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ }؛ أي حتَّى تؤخذَ الجزيةُ من أيديهم وهم قِيَّامٌ إذِلاَّء، والآخِذُ جالسٌ. ويقال: أرادَ بالقهرِ، كأنه قالَ: عن قَهْرٍ من المسلمين عليهم واعترافٍ منهم للمسلمين بأنَّ أيدِي المسلمين فوقَ أيدِيهم، كما يقالُ: اليدُ لفلانٍ في هذا الأمرِ، ويرادُ به نَفَاذُ أمْرِهِ. ويحتملُ أن يكون المعنى باليدِ إنعامُ المسلمين عليهم بقَبولِ الجزيةِ عنهم. ويقال: أراد باليدِ القوَّة على معنى أنه ليس على الفقيرِ غيرِ المتموِّل جزيةٌ.
وأما طعنُ المخالف كيف يجوزُ إقرار الكفَّار على كفرِهم بأداءِ الجزية بدَلاً عن الإسلامِ؟ فالجواب: أنه لا يجوز أن يكون أخذُ الجزيةِ عنهم رضًى بكُفرِهم، وإنما الجزيةُ عقوبةٌ لهم على إقامتِهم على الكفرِ، وإذا جازَ إمهالُهم بغيرِ الجزية للاستدعاءِ إلى الإيمان كان إمهالُهم بالجزيةِ أولى. قال أبو عُبيد: (يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أعْطَى شَيْئاً كَرْهاً مِنْ غَيْرِ طِيب نَفْسٍ مِنْهُ أعْطَاهُ عَنْ يَدٍ). قال ابنُ عبَّاس: (هُوَ أنْ يُعطِيهَا بأَيدِيهِمْ يَمْشُونَ بهَا كَارِهِينَ، وَلاَ يَجِيئُونَ رُكْبَاناً وَلاَ يُرْسِلُونَ بهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهُمْ صَاغِرُونَ }؛ أي ذلِيلُونَ ومَقهُورُونَ، قال عكرمةُ: (مَعْنَى الصَّغَار هُوَ أنْ تَأْخُذََهَا وَأنْتَ جَالِسٌ وَهُوَ قَائِمٌ)، وقال الكلبيُّ: (هُوَ أنَّهُ إذا أعْطَى الْجِزْيَةَ صُفِعَ فِي قَفَاهُ)، وَقِيْلَ: هو أنه لا يُقبَلُ فيها رسالةٌ ولا وكالَةٌ.
وتؤخذُ الجزية أيضاً من الصَّابئين والسامِرِيِّ؛ لأن سبيلَهم في أهلِ الكتاب سبيلُ لأهلِ البدَعِ فِينَا، وتؤخذُ الجزية أيضاً من الْمَجُوسِيِّ؛ لأنه قد قيلَ إنَّهم كانوا أهلَ كتابٍ فُرفِعَ كتابُهم، وعن سعيدِ بن المسِّب (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْهَجَرِ، وَأَخَذَهَا عُمَرُ رضي الله عنه مِنْ مَجُوسِ أهْلِ السَّوَادِ).
"رُوي أنَّ عمر رضي الله عنه قال: لاَ أدْري كَيْفَ أصْنَعُ بالْمَجُوسِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سُنُّوا بهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَاب غَيْرَ نَاكِحِينَ نِسَاءَهُمْ وَلاَ آكِلِي ذبَائِحِهِمْ" .