التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦١
-التوبة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَذلِكَ أنَّ الْجَمَاعَةَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ جَلاَّسُ بْنُ سُوَيدٍ وَمَخْشِيُّ بْنُ حُمَيِّرٍ وَأبُو يَاسِرِ بْنِ قَيْسٍ وَسِمَاكُ بْنُ يَزيدٍ وَعُبَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ وَرُفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ كَانُوا يُؤْذونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ فِيْهِ مَا لاَ يَجُوزُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا فَإنَّا نَخَافُ أنْ يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ، فَقَالَ الْجَلاَّسُ: بَلْ نَقُولُ مَا شِئْنَا ثُمَّ نَأْتِيهِ فَيُصَدِّقُنَا فِي مَا نَقُولُ، فإنَّ مُحَمَّداً أُذُنٌ سَامِعَةٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). ومعناها: ومِنْ هؤلاء المنافقين مَن يُؤذِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويقولون هو صاحبُ أُذُنٍ يُصغِي إلى كلِّ أحَدٍ، ويقبلُ كلَّ ما قيلَ له.
قََوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ }؛ أي قِيْلَ: هو مستمعٌ بخيرٍ لا مستمعٌ بشَرٍّ، وَقِيْلَ: معناهُ: هو يستمع إلى ما هو خيرٌ لكم وهو الوحيُ. وقرأ الحسنُ: (هُوَ أذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) كلاهُما بالتنوينِ والضمِّ، معناهُ: إنْ كان كما قُلتم فهو خيرٌ لكم يقبَلُ عُذرَكُم. وقرأ نافع: (قُلْ أُذْنٌ) بجزمِ الذال وهو لغةٌ في الأذن. قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ }؛ أي يُصدِّقُ بما أُنزِلَ عليه، والإيمانُ باللهِ لا يعملُ إلا بالحقِّ، ويؤمِنُ للمؤمنين أي يُصدِّقُ المؤمنين في ما يُخبرونَهُ.
واختلَفُوا في الـ (لام) التي للمؤمنين، فقال بعضُهم هي زائدةٌ كما في قولهِ تعالى:
{ رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72] معناهُ: ردِفكُمْ. قال بعضُهم: إنما ذُكر اللام للفَرقِ بين التصَّديقِ والإيمان، فإنه إذا قِيْلَ: ويُؤمِنُ للمؤمنين لَم يُقبل غيرُ التصديقِ، كما في قوله: { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [يوسف: 17] أي بمُصَدِّقٍ، وقوله تعالى: { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } [التوبة: 94] أي لن نصدِّقَكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ }؛ قرأ الحسنُ والأعمش وحمزة بالخفضِ على معنى: أُذُنُ خَيْرٍ وأذُن رحمةٍ، وقرأ الباقون: (وَرَحْمَةٌ) بالرفعِ يعني: هو رحمةٌ، جعلَ الله النبيَّ صلى الله عليه وسلم رحمةً لهم؛ لأنَّهم إنما نالُوا الإيمانَ بدُعائهِ وهدايته. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }؛ وعيدٌ مِن الله لهؤلاء المنافقين على مقَالتِهم. وقال ابنُ عبَّاس: (فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَاؤُا إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُونَ أنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فَاَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ... }.