التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٠
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
٥١
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٥٢
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥٣
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
-يونس

تأويلات أهل السنة

قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يقول - والله أعلم -: أي منفعة لكم إن أتاكم عذابه؟! لا منفعة لكم في ذلك بل فيه ضرر لكم، فاستعجال ما لا منفعة فيه سفه وجهل، يسفههم في سؤالهم العذاب، ويخبر في قوله: { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف: 34] أن عذاب الله إذا نزل وجاء وقته لا يملك أحد تقديمه ولا تأخيره، ولا يملك أحد استقدامه ولا استئخاره بالقدر والمنزلة، كما يحتمل ذلك في الدنيا التقديم والتأخير بالشفاعة والفداء ويذكر عجزه في إنزال العذاب عليهم في قوله: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }.
وقوله - عز وجل -: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ }: قيل: أي العذاب إذا نزل بكم أمنتم به الآن؟! يخبر عنه أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون.
ثم يحتمل قوله: { آمَنْتُمْ بِهِ } أي: بالله وبرسوله؛ كقوله:
{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [غافر: 84]، ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب؛ وهو كقوله: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]، وقوله: { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [الأنعام: 158].
ويحتمل قوله: { آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ } أي: بالعذاب؛ لأنهم يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يوعدهم العذاب، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا، فإذا نزل بهم آمنوا أي صدقوا بذلك العذاب، يقول: { آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل [بكم ذلك]، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قيل: أشركوا في ألوهيته وربوبيته وعبادته غيره.
{ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } لأنهم يخلدون فيه، يقال ذلك بعدما أدخلوا النار.
{ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } أي: لا تجزون إلا بما كنتم كسبتم في الدنيا.
وقوله - عز وجل -: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ } أي: يستخبرونك.
{ أَحَقٌّ هُوَ } يحتمل هذا وجوهاً.
يحتمل قوله: { أَحَقٌّ هُوَ } العذاب الذي كان يوعدهم أنه ينزل بهم، على ما قاله عامة أهل التأويل.
ثم قال: { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ } أي: قل: نعم وربي إنه لحق إنه نازل بكم.
{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي: بفائتين عنه ولا سابقين له.
ويحتمل قوله: { أَحَقٌّ هُوَ } ما يدعوهم إليه من التوحيد؛ كقولهم لإبراهيم:
{ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ... } الآية [الأنبياء: 55-56]؛ فعلى ذلك قولهم: { أَحَقٌّ هُوَ } ثم، أخبر أنه لحق بقوله: { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي: غائبين فائتين عنه.
ويحتمل الآيات أو محمد أو القرآن أحق هو؟ قل: إي وربي، قل: نعم إنه لحق؛ كقوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [البقرة: 67] أخبر أن ما يأمرهم به ويدعوهم إليه ليس هو هزوا ولا لعباً، ولكنه حق أمر من الله تعالى؛ فعلى ذلك قوله: { أَحَقٌّ هُوَ }.
وقوله - عز وجل -: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ }: هذا الحرف يحتمل أن يكون من الشاكين [منهم] في ذلك طلبوا منه أنه حق ذلك أو لا، ومن المعاندين استعجال العذاب الذي كان يوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء به وتكذيباً له، ومن المتبعين له والمطيعين التصديق له والإيمان به؛ كقوله:
{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [الشورى: 18] كانوا فرقاً ثلاثة: فرقة قد آمنوا به، وفرقة قد شكوا فيه، وفرقة قد كذبوه.
وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ }: يخبر عنهم أنهم يفدون ويبذلون جميع ما في الأرض لو قدروا عليه عند نزول العذاب بهم لشدة العذاب، وإن كان الذي منعهم عن الإيمان هو حبهم الدنيا وبخلهم عليها وما فيها بقوله:
{ وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7].
وقوله - عز وجل -: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ }: الندامة لا تكون إلا سرا بالقلب، فكأنه قال: حققوا الندامة في قلوبهم على ما كان منهم من التكذيب بالآيات والعناد في ردها. وقال بعضهم: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } أي: أظهروا الندامة وهو مما يستعمل في الإظهار والإخفاء؛ كقوله: شعب: جمع، وشعب: فرق ونحوه، وبعد فإنه إذا أسر في نفسه لابد من أن يضع ذلك في آخر ويخبره بذلك، فذلك منه إظهار.
وقوله - عز وجل -: { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } يحتمل قوله: { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } ما توجبه الحكمة؛ لأن الحكمة توجب تعذيب كل كافر نعمة، وكل قائل في الله ما لا يليق به، أو أن يكون تفسير قوله: { بِٱلْقِسْطِ } ما ذكر، وهم لا يظلمون.
ويحتمل قوله: { بِٱلْقِسْطِ } ما ذكر:
{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ... } الآية [الإسراء: 14]، والقسط: هو العدل، وهم يومئذ عرفوا أنه كان يقضي بالعدل في الدنيا والآخرة، والله أعلم.