التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦٨
قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
٦٩
مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-يونس

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ }.
قال بعضهم: أرادوا بقولهم: اتخذ الله ولدا حقيقة الولد؛ كقوله:
{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } [النحل: 57] [...].
وقوله - عز وجل -:
{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ... } [البقرة: 113] كذا، { وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ... } [البقرة: 113] كذا فنزه - عز وجل - نفسه عمّا قالوا بقوله: { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أنه لم يلد أحداً ولا ولد هو من أحد؛ ولهذا قال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } [الإخلاص: 3]؛ إذ في الشاهد لا يخلو إما أن يكون ولد من آخر أو والد، والخلق كله لا يخلو من هذا، فأخبر أنه لم يلد هو أحد ولا ولد من أحد.
وقوله: { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تأويله - والله أعلم - أن في الشاهد من اتخذ ولدا إنما يتخذ لأحد وجوه ثلاثة: إما لحاجة تمسه، أو لشهوة تغلبه، أو لما يستنصر به على آخر ممن يخافه، فإذا كان له ملك السماوات والأرض وملك ما فيهما كلهم عبيده وإماؤه، فلا حاجة تقع له إلى الولد؛ إذ هو الغني وله ملك ما في السماوات والأرض ومن هذا وصفه فلا يحتاج إلى الولد، ولأنه لا أحد في الشاهد يحتمل طبعه اتخاذ الولد من عبيده وإمائه، فإذا كان لله سبحانه الخلائق كلهم عبيده وإماؤه كيف احتمل اتخاذ الولد منهم لو جاز وقد بينا إحالة ذلك وفساده.
ولأن الولد يكون من شكل الوالد ومن جنسه كالشريك يكون من شكل الشريك ومن جنسه فكان في نفي الشريك نفي الولد؛ لأن معناهما واحد وكل ذي شكل له ضدّ ومن له ضد أو شكل فإنه لا ربوبية له ولا ألوهية.
[وقال بعضهم: قولهم: اتخذ الله ولدا، لم يريدوا حقيقة الولد، ولكن أرادوا منزلة الولد وكرامته، فهو - أيضاً - منفي عنه؛ لأن من لا يحتمل الحقيقة - أعني: حقيقة الولد - امتنع عن منزلته وكرامته؛ لأن الحقيقة انتفت لعيب يدخل فيه، فإذا ثبت له منزلة تلك الحقيقة والكرامة دخل فيه عيب الحقيقة].
وقوله - عز وجل -: { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } بهذا قيل ما عندكم من حجة على ما تقولون إن له ولدا؛ لأنهم كانوا أهل تقليد لآبائهم وأسلافهم، وكانوا لا يؤمنون بالرسل والكتب والحجج، وإنما يستفاد ذلك من جهة الرسالة والكتب وهم كانوا ينكرون ذلك.
وقوله - عز وجل -: { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي: تقولون على الله أنه اتخذ ما تعلمون أنه لم يتخذ { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } هو ما ذكرنا أنهم علموا أنه لم يتخذ ولداً، لكن قالوا ذلك افتراء على الله { لاَ يُفْلِحُونَ } في الآخرة؛ لما طمعوا في الدنيا بعبادتهم دون الله الأصنام بقولهم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، وقوله: { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] لا يفلحون، أي: لا يظفرون بما طمعوا في الآخرة { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا } [أي ذلك لهم متاع في الدنيا] ليس لهم متاع في الآخرة.
{ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ }: يخاطب رسوله بذلك لم يخاطبهم إلينا مرجعكم، فهو - والله أعلم - لما اشتد على رسول الله ما افتروا به على الله يقول: إلينا مرجعهم فنجزيهم جزاء افترائهم. والثاني: يقول: إلينا مرجعهم فنذيقهم العذاب الشديد، لا ما طمعوا من الشفاعة عندنا والزلفى، والله أعلم.