التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
١
أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
٢
وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤
-هود

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ }:
قال الحسن: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } بالأمر والنهي، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بالوعد والوعيد.
وقال بعضهم: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } بالوعد والوعيد، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بالأمر والنهي.
وقال بعضهم: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } حتى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولا يملك أحد التبديل، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بينت ما يؤتى و [ما] يتقى، أو بينت ما لهم وما عليهم وما لله عليهم.
وقال بعضهم: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } فلم تنسخ، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بالحلال والحرام. وقيل:
{ فُصِّلَتْ } أي: فرقت في الإنزال أنزل شيء بعد شيء على قدر النوازل والأسباب فلم ينزل جملة؛ لأنه لو أنزل جملة لاحتاجوا إلى أن يعرفوا الكل بسببه وشأنه وخصوصه وعمومه، فإذا أنزل متفرقاً في أوقات مختلفة على النوازل والأسباب عرفوا ذلك على غير إعلام ولا بيان، والتفصيل هو اسم التفريق واسم التبيين، وذلك يحتمل المعنيين جميعاً، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }: أي: أحكمت حتى لا يرد عليها النقض والانتقاض، أو أحكمت حتى لا يملك أحد التبديل والتغيير، أو أحكمت عن أن يقع فيها الاختلاف.
وقال بعضهم: أحكمت آياته بالفرائض، وفصّلت بالثواب والعقاب.
ثم { ٱلآيَاتِ } تحتمل وجوهاً:
أحدها: العبر.
والثاني: الحجج.
والثالث: العلامة.
ثم الآية كل كلمة في القرآن تمت فهي [عبرة أو حجة] أو علامة لا تخلو عن أحد هذه الوجوه الثلاثة.
وقوله - عز وجل -: { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }: من عند حكيم عليم جاءت هذه الآيات.
وقوله - عز وجل: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } أي: من الله ينذر من ينذر ومن عنده يبشر من يبشر؛ يبشر من اتبع وينذر من خالف.
وقوله: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } في شهادة خلقتكم هو المستحق للعبادة ويحتمل { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ألاَّ توحدوا إلا الذي في شهادة خلقتكم وحدانيته.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ }: إن كانت الآية في الكفار فيكون قوله: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي: أسلموا ثم توبوا إليه، أي: ارجعوا إليه عن كل معصية وكل مأثم تأتونها، وإن كان في المسلمين فهو ظاهر، فيكون قوله: استغفروا وتوبوا واحدا.
وقوله - عز وجل -: { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } أي: يمتعكم في الدنيا متاعاً تستحسنون في الآخرة ذلك التمتع، وأمّا الكفار فإنهم لا يستحسنون في الآخرة ما متعوا في الدنيا؛ لأن تمتعهم في الدنيا للدنيا، والمؤمن ما يتمتع في الدنيا يتمتع لأمر الآخرة والتزود لها، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ }: يحتمل قوله: { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ } في الدنيا جزاء فضله في الآخرة.
ويحتمل { وَيُؤْتِ } بمعنى أتى، أي: ما أتى كل ذي فضل في الدنيا إنما أتاه بفضله.
وقوله: { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي: ويؤت كل ذي فضل في دينه في الدنيا فضله في الآخرة، أو يقول: يؤت كل ذي فضل في الدنيا والآخرة فضله؛ لأن أهل الفضل في الدنيا هم أهل الفضل في الآخرة.
{ وَإِن تَوَلَّوْاْ }: ولم يسلموا، { فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } الآية ظاهرة.
وقال بعضهم في موضع آخر، وهذا لما يكبر على الخلق ويعظم ذلك اليوم.
وقال بعض أهل الفقه: في قوله: { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } دلالة تأخير البيان؛ لأنه قال: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ }، وحرف ثم من حروف الترتيب، ففيه جواز تأخير البيان، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } أي: إلى ما أعد لكم مرجعكم من وعد ووعيد.
{ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي: وهو على كل ما [أوعد ووعد] قدير.