التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٢
وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
٢٦
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
٢٧
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
٢٨
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ
٢٩
-يوسف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } الأشد: هو اشتداد كل شيء ونهاية كل نوع في الكمال يحتمل أشده: انتهاء بلوغه أو انتهاء شبابه، أو انتهاء عقله في التمام؛ لا يخلو من هذه الوجوه الثلاثة.
وقوله أهل التأويل: من ثماني عشرة سنة إلى أربعين؛ لأنه به يتم ويكمل كل نوع من ذلك إلى ذلك، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً }.
يحتمل قوله: حكماً: الحكم بين الناس، والعلم: في الحكم.
ويحتمل قوله: { حُكْماً } أي: أعطيناه النبوة، { وَعِلْماً }: علم الأحاديث وتأويلها؛ على ما تقدم ذكره.
أو أن يكون إذا أعطاه الحكم أعطاه العلم، وإذا أعطاه العلم أعطاه الحكم.
وقوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }.
يحتمل: الإحسان في الأعمال؛ أي: عمل أعمالا حسنة صالحة.
ويحتمل: الإحسان إلى الناس؛ أي: أحسن إليهم، أو أحسن إلى نفسه؛ لا يخلو من هذه الأوجه الثلاثة.
أو أن يكون قوله: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: كذلك نجزي من أحسن صحبة نعم الله وإحسانه، وقام بشكر ذلك كذلك؛ أي: مثل الذي جزى يوسف لا يريد أنه يجزي غيره عين ما جزى يوسف، ولكن يجزيه جزاء الإحسان.
وقوله - عز وجل -: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ }.
دل قوله: { فِي بَيْتِهَا } أن البيت قد يجوز أن يضاف إلى المرأة، وإن كان البيت في الحقيقة لزوجها؛ على ما أضاف بيت زوجها إليها.
وقوله: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } المراودة: قيل: هي الدعوة والطلبة، راودته، أي: دعته إلى نفسها.
وقال أهل التأويل: { وَرَاوَدَتْهُ } أي: أرادته.
{ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ }.
قيل: إن هذه كلمة أخذت من الكتب المتقدمة، ليست بعربية، ونحن لا نعرف ما أرادت بها، لكن أهل التأويل قال بعضهم: هلم لك.
وقال بعضهم: تهيأت لك.
وفي بعض القراءات: (هئت لك) بالهمز، ومعناه ما ذكرنا؛ أي: تهيأت لك.
ويشبه أن يكون قوله: { هَيْتَ لَكَ }: هأنا لك.
{ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ }.
أي: أعوذ بالله وألجأ إليه.
{ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ }.
قال أهل التأويل: { رَبِّيۤ } أي: سيدي الذي اشتراه { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي: أكرم مقامي ومكاني؛ دليله: قوله لزوجته: { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ }، هذا يدل أن قوله: { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } أي: أحسني مثواه، ولكن يشبه أن يكون أراد بقوله: { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ربّه الذي خلقه.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } بظلمهم وقت ظلمهم، والمثوى: الموضع الذي يثوى فيه، والثواء: المقام، والثاوي: المقيم، و { مَعَاذَ ٱللَّهِ } قيل: أعوذ بالله، وألجأ إليه، وأتحصن به.
أو: لا يفلح الظالمون: إذا ختموا بالظلم، وأما إذا انقعلوا عنه فقد أفلحوا.
وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }.
أما ما قاله أهل التأويل إنها استقلت له { وَهَمَّ بِهَا } أي: حل سراويله، وأمثال هذا من الخرافات؛ فهذا كله مما لا يحل أن يقال فيه شيء من ذلك، والدلالة على فساد ذلك من وجوه:
أحدها: قوله: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي }، ولو كان منه الإرادة والمراودة، لم يكن ليقول ذلك لها ويبرئ نفسه من ذلك.
والثاني: قوله: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ }، ولو كان شيء مما ذكروا من حل السراويل والجلوس بين رجليها، لم يكن السوء مصروفاً عنه.
والثالث: قوله:
{ ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [يوسف: 52]، ولو كان منه ما ذكروا لقد خانه بالغيب.
والرابع: قولها:
{ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } [يوسف: 51]، وقولها: { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ } [يوسف: 51].
هذا كله يدل أن ما قاله أهل التأويل فاسد، لا يحل أن يتكلم فيه بشيء من ذلك، وليس في ظاهر الآية شيء مما قالوا لا قليل ولا كثير؛ إذ ليس فيه سوى أن همت به وهم بها.
ثم تحتمل الآية وجوهاً عندنا:
أحدها: همت به: هم عزم، وهم بها هم خطر، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب، ولا مؤاخذة عليه، وهو قول الحسن.
والثاني: همت به همّ الإرادة والتمكن، وهم بها هم دفع، لكنه يدخل عليه قوله: { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }، لو كان همه بها هم دفع لم يكن لقوله: { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } معنى، لكنه يشبه أن يكون هم بها، أي: هم بقتلها، فإذا كان هم بقتلها فرأى برهان ربه فتركها لما لا يحل قتلها.
والثالث: كان يهم بها لولا أن رأى برهان ربه على الشرط؛ كان يهم بها لولا ما رأى من برهان ربه، وهو كقوله:
{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } [الإسراء: 74] لولا ما كان من تثبيتنا إياك، وكذلك يخرج قول إبراهيم: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [الأنبياء: 63]، أي: لو كان هو الذي ينطق لفعل هو.
ثم اختلف في قوله: { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }: قال بعض أهل التأويل: رأى يعقوب عاضّاً على شفتيه.
وقال بعضهم: مثل له يعقوب وصور له، فرآه عاضّاً على أصبعه.
وقال بعضهم: رأى برهان ربه.
[و] قال بعضهم: رأى آية من كتاب الله:
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً... } الآية [الإسراء: 32].
هذا كله لا يدري.
وأصل البرهان: الحجة؛ أي: لولا ما رأى من حجة الله، وإلا كان يهمّ بها، ولكن لا ندري ما تلك الحجّة، والله أعلم بذلك.
والبرهان: هو الحجة والآية؛ لولا أن رأى حجة ربه، وبرهان ربه وآياته، أو الرسالة، ويشبه الحجّة أي: النبوة.
وقوله - عز وجل -: { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ }.
قال بعضهم: استبقا الباب: استبقت هي لتغلق الأبواب، واستبق هو ليخرج ويفر.
لكن قوله: لتغلق الباب، لا يحتمل؛ لأن الأبواب كانت مغلقة بقوله: { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ }، ولكن استبقت هي لتحبسه وتمنعه، واستبق هو ليخرج ويهرب.
وقوله - عز وجل -: { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ }.
لما جرته لتحبسه.
وقوله - عز وجل -:{ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ }.
أي: وجدا سيدها؛ هذا يدل أن قوله: { رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } لم يرد به العزيز الذي اشتراه، ولكن العزيز الذي خلقه؛ لأنه قال: { سَيِّدَهَا }، ولم يقل: سيدهما.
وقوله - عز وجل -: { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
هذا يدل أن الإرادة تكون مع الفعل؛ لأنها كانت لا تعلم إرادة ضميره، فإذا أخبرت عما عرفت من الميل وإظهار الفعل، وكذلك قول إخوة يوسف:
{ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } [يوسف: 8]، وكانوا هم لا يعرفون ما في ضميره من الحبّ سوى ما ظهر لهم منه من الميل إليه وإبداء الشفقة له، فهذا يدل على ما ذكرنا من كون الإرادة مع الفعل، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي }.
أي: دعتني، والمراودة قد ذكرنا أنها هي الدعوة؛ كقوله: { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } أي: سندعوه منه ونطلبه.
فإن قيل: كيف هتك سترها بقوله: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي }؟
قيل: ليس فيه هتك الستر عليها؛ بل فيه نفي العيب والطعن عن نفسه، فالواجب على المرء أن ينفي العيب وما يشينه عن نفسه على ما فعل يوسف.
وقوله - عز وجل -: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ } من كذا فهو كذا، وإن كان كذا فهو كذا من كذا.
قال بعض أهل التأويل: ذلك الشاهد هو ابن عم لها رجل حليم يقال كذا.
وقال بعضهم: شق القميص من دبر هو الشاهد، وأمثاله؛ لكن هذا لا يعلم من كان ذلك الشاهد.
وقيل: صبي في المهد.
وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله - عز وجل -: { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ }.
هذا لأن القميص إذا كان قد من قبل فهو إنما ينقد من دفعها إياه عن نفسها، وإذا كان القميص مقدوداً من دبر فهو إنما ينقد من جرها إياه إلى نفسها، لا من دفعها إياه عن نفسها؛ هذا هو الظاهر في العرف؛ لذلك قال الشاهد: { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ } كذا { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ... } الآية؛ استدل على أنه إنما تمزق من جرها إياه لا من دفعها عن نفسها، ففيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد؛ لأن القميص في الغالب لا يتمزق من دبر إلا عن جر من وراء، ولا من قبل إلا عن دفع من قدام، لذلك دل على ما ذكرنا، والله أعلم.
وإن كان يجوز أن يكون في الحقيقة على غير ذلك، لكن نظر إلى الغالب.
وقال أبو عوسجة: قوله: { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ }، أي: شقت ومزقت، ومقدود: أي: مشقوق، من دبر: أي: من خلف، ومن قبل: أي: من قدام، وهو مأخوذ من القبل، من قبل المرأة.
وقوله: { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } ولم يقل: سيدهما؛ فهذا يدل على ما ذكرناه.
{ لَدَى ٱلْبَابِ }.
أي: عند الباب، وهو ظاهر؛ أي: وجدا سيدها عند الباب.
وفي قوله: { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } فهو كذا { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } فهو من كذا - دلائل يستدل بها لمسائل لأصحابنا؛ من ذلك قولهم في حانوت فيه لؤلؤ وإهاب تنازع فيه دباغ ولؤلئي، فإنه يقضي باليد لكل واحد منهما في ذلك للؤلئي باللؤلؤ وللدباغ بالإهاب باليد؛ يستدل بغالب الأمر وظاهر اليد؛ على ما قضى عليها بالمراودة بتمزق القميص من دبر، وأمثال هذا مسائل يكثر عددها يقضى [فيها] بالدلالة الغالبة، وإن كان يجوز في الحقيقة على خلاف الظاهر.
وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }.
يشبه أن يكون كيدها أنها لما راودته عن نفسه وأمنته على إظهار ذلك وإفشائه عليه، فأفشت عليه ذلك؛ حيث أبي إجابتها، فقالت: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } ذلك القول منها من كيدهن، وأصل الكيد والمكر هو الأخذ على الأمن، والله أعلم.
وفي الآية دلائل لقول أصحابنا في المتاع يختلف فيه الزوجان: فإن كان من متاع الرجال فهو في يد الرجل، وإن كان من متاع النساء فهو في يد المرأة في قول أبي يوسف ومحمد.
وقوله - عز وجل -: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا }.
يحتمل قوله: { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا }، أي: عن قوله: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي }.
ويشبه أن يكون قوله: { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا }: عن جميع ما كان بينهما؛ أي: استر عليها، ولا تهتك عليها سترها.
وقوله - عز وجل -: { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ }.
قال ليوسف ذلك القائل: { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا }، وقال للمرأة: { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }، لما ظهر عنده أنها هي التي راودته ودعته إلى نفسها.
ثم اختلف في قائل هذا القول؛ قال بعضهم: هو زوجها؛ قال ليوسف: أعرض عن هذا، ولا تهتك عليها سترها، لكنهم قالوا: إنه كان قليل الغيرة.
وقال بعضهم: ذلك القائل هو رجل آخر هو ابن عم لها؛ وهذا أشبه.
وقوله: { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ }.
قال بعضهم: قال هذا لها؛ لأنهم وإن كانوا يعبدون الأصنام فإنما يعبدونها ليقربوهم إلى الله زلفى؛ حيث قال لها: واستغفري لذنبك.
وقال بعضهم من أهل التأويل: قوله: { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } أي: إلى زوجك حيث خنتيه، فإن كان التأويل هذا فذلك يدل أن القائل لذلك رجل آخر، لا زوجها.
فإن كان التأويل هو الأوّل فإنه يحتمل كليهما أنهما كان، والله أعلم.