التفاسير

< >
عرض

قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
٣١
-إبراهيم

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ }.
يحتمل [إقامة الصلاة] إقامة الإيمان بها؛ كقوله:
{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة: 5] هو إقامة الإيمان به، إذ لا يحتمل الحبس إلى أن يقيموا إقامة الفعل والوفاء؛ إذ في ذلك حبسهم أبداً.
ويحتمل إقامة الوفاء بها والفعل؛ لأنه إنما خاطب المؤمنين على إقامتها، وقد سبق [منهم ما ذكرنا؛ من] الإيمان بها. [كيف يحتمل الأمر بإقامتها إقامة الإيمان به، وقد سبق منهم ما ذكرنا من الإيمان بها] قيل: هذا جائز يأمرهم بإقامة الإيمان بها في حادث الوقت؛ إذ للإيمان حكم التجدد في كل وقت؛ وهو كقوله:
{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ } [النساء: 136] أي: آمنوا في حادث الوقت؛ فعلى ذلك هذا يحتمل الأمر بإقامتها - إقامة الإيمان بها.
ويحتمل ما ذكر من إقامة الصلاة في الآية؛ والإنفاق - هي الصلاة المعروفة المعهودة، والزكاة المعروفة المفروضة؛ والإدامة لهما واللزوم بهما، ويحتمل القبول والوفاء بهما.
[وقوله - عز وجل -: ] { وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً }.
قال الحسن: الأمر بالإنفاق مما رزقناهم الزكوات المفروضات؛ ألا أنه ذكر الوعيد في آخره وقال: { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } ولا يحتمل الوعيد في صدقات التطوع؛ وهو ما ذكر أيضاً في آية أخرى:
{ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } [المنافقون: 10] ولا يحتمل طلب الرجوع والتأخير إلى أجل في النوافل؛ دل أنه أراد به الزكوات المفروضات.
وقال بعضهم: { وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً }: هي التطوع، والعلانية: الفريضة؛ لأن الفريضة لا بدّ من أن تظهر وتعلن، وليس في أدائها رياء والله أعلم.
[وقوله - عز وجل -]: { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ }.
{ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ }: أي: يوم لا يقدر أحد أن يبيع نفسه من ربه؛ وفي الدنيا يقدر أن يبيع نفسه من ربه؛ كقوله:
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [البقرة: 207] وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ } [التوبة: 111] وقوله: { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ } لا يقدر أحد بيع نفسه من ربه، ويحتمل نفسه. قوله: { يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ }: أي: لا ينفعه بيع نفسه منه في ذلك اليوم؛ وإن باع؛ كقوله: { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [الأنعام: 158]، وقوله: { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا... } الآية [غافر: 84] فعلى ذلك الأول.
وقوله - عز وجل -: { وَلاَ خِلاَلٌ }: هو مصدر خاللت؛ وهو من الخلة والصدقة.
ثم هو يحتمل وجهين:
أحدهما: ألا تنفعهم الخلة التي كانت بينهم في الدنيا؛ لأن كل خلة كانت في الدنيا مما ليست لله فهي تصير عداوة في الآخرة؛ كقوله:
{ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ... } الآية [الزخرف: 67] أخبر أن الأخلاء؛ الذين كانوا يخالون في الدنيا؛ للدنيا - فهم الأعداء إلا الخلة التي كانت لله؛ فهي تنفع أهلها؛ وهو ما ذكر - عز وجل -: { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [العنكبوت: 25] وأمثاله، يخبر أن الخلة [التي] كانت بينهم في الدنيا؛ لا لله؛ فهي تصير عداوة في الآخرة؛ حتى يتبرأ بعضهم من بعض؛ ويلعن بعضهم بعضا.
والثاني: أن يكون لهم شفعاء وأخلاء؛ ولكن لا يشفعون؛ كقوله:
{ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [الأنبياء: 28] أو يشفع لهم لكن لا تقبل؛ كقوله: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [المدثر: 48].