التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣٠
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣١
ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٢
-النحل

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً }.
قال أهل التأويل: هذا قول المؤمنين؛ مقابل قول المشركين:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [النحل: 24].
ثم اختلف في قوله: { قَالُواْ خَيْراً }: قال بعضهم: قوله: { قَالُواْ خَيْراً } أي: قولهم الذي قالوا أنه أرسل بحق، وأنه كذا خير.
وقال بعضهم: قوله: { قَالُواْ خَيْراً } حكاية عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: و{ خَيْراً }: أي: أنزل عليه ربنا خيراً، أو أن يكون الناس الذين يأتون من الآفاق يسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سألوا للمؤمنين: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيراً، وإذا سألوا الكفرة قالوا: أساطير الأولين.
وجائز أن يكون أتباع المؤمنين سألوا كبراءهم: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيراً، مقابل ما كان من كبراء الكفرة لأتباعهم أساطير الأولين.
وقوله - عز وجل -: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } من النصر لهم، والظفر على عدوهم.
{ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } لهم مما كان أعطاهم في الدنيا.
وقال بعضهم: للذين أحسنوا العمل في هذه الدنيا لهم حسنة في الآخرة، ولدار الآخرة خير [لهم مما كان أعطاهم في الدّنيا]؛ أي: الجنة خير وأفضل للمؤمنين مما أوتوا في الدنيا.
{ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }:
قال هذا للمؤمنين مكان ما قال للكافرين:
{ فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } [النحل: 29] ثم نعت الدار التي وعد المتقين؛ فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } من اللذات والشهوات.
فإن قيل: أرأيت لو شاءوا أن يكون لهم درجات الأنبياء ومنازل الأبرار والصديقين؛ أيكون لهم ما شاءوا؟
قيل: لا يشاءون هذا؛ لأن مثل هذا إنما يكون في الدنيا إمّا حسداً؛ وإمّا تمنياً، فلا يكون في الجنة حسد؛ لأن الحسد هو [أن يرى] لأحد شيئاً ليس له؛ فيحسد أو يتمنى مثله، فأهل الجنة يجدون جميع ما يتمنون ويخطر ببالهم، فلا معنى لسؤالهم ربهم ما لغيرهم، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } ظاهر.
وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ }.
على تأويل الحسن: تتوفاهم الملائكة وهم طيبون من بين يدي الله يوم الحساب، يقولون لهم: { سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } وقد ذكرنا: أن السلام هو تحية؛ جعل الله بين الخلق في الدنيا والآخرة؛ وقد ذكرناه في غير موضع.
وقال بعضهم: الذين تتوفاهم الملائكة بقبضهم الأرواح في الدنيا، يقبضون أرواحهم وهم طيبون.
وقال بعضهم: طيبون أحياء وأمواتاً، وهم المؤمنون الذين طابت أعمالهم في الدنيا.
يحتمل السلام وجهين:
أحدهما: تحييهم الملائكة بالسلام في الجنة؛ كما يحيي أهل الإيمان في الدنيا بعضهم بعضاً.
والثاني: السلام يكون منهم أمن عن جميع الآفات والمكروهات، والله سبحانه أعلم.