التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً
٦٠
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً
٦١
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً
٦٢
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً
٦٣
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً
٦٤
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً
٦٥
قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً
٦٦
قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٦٧
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
٦٨
قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً
٦٩
قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً
٧٠
-الكهف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ... } الآية.
قال أهل التأويل: { لاۤ أَبْرَحُ }، أي: لا أزال حتى أبلغ كذا، فإن كان على هذا فهو ظاهر، وإلا: حرف البراح، يعرف البراح عن المكان، أي: لا أبرح المكان حتى أبلغ مجمع البحرين، وهو كأنه على الإضمار، أي: لا أبرح أسير معك حتى أبلغ كذا، كأنه سبق من فتاه: أنه يسير إلى ذلك المكان دونه؛ على ما يقول الخادم لمولاه إذا أراد أن يسير لحاجة: أنا أسير، وأنا أذهب - فعند ذلك قال له موسى: { لاۤ أَبْرَحُ }، أي: لا أفارقك، وأسير معك.
{ حَتَّىٰ أَبْلُغَ }.
ما ذكر، أي: أمرت بذلك.
وقال بعضهم: سماه: فتى؛ لأنه كان خادمه يخدمه.
وقال بعضهم: سمّاه: فتى؛ لأنه كان يتبعه ويصحبه؛ ليتعلم منه العلم.
وقوله: { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ }.
أي: ملتقى البحرين.
وقوله: { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }.
قيل: زمانا ودهراً، وقيل: الحقب: ثمانون سنة.
وقال بعضهم: هو بلغة قوم: سنة.
وقال بعضهم: هو على التمثيل: على ما يبعد.
وقيل: سبعون سنة، ونحوه، والله أعلم.
وقوله: { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا }.
أضاف النسيان إليهما، وإن كان الذي نسيه هو فتاه.
وقال بعضهم: أضاف النسيان إليهما على الترك؛ لأنهما فارقا ذلك المكان وتركا الحوت فيه، وإنما أضاف النسيان إليهما، لما تركاه جميعاً فيه وفارقاه، وإن كان الفتى هو الذي نسيه دون موسى [فقد نسي موسى] أن يستخبره عنه؛ فقد كان منهما جميعاً النسيان: من الفتى الإخبار والتذكير، ومن موسى: الاستخبار عن حاله.
وقال بعضهم: أضاف ذلك إليهما؛ لما نسيا مكان الرجل الذي أمر موسى أن يأتيه ويقتبس منه العلم، فهو على الجهل يخرج على هذا التأويل، أي: جهلا مكانه، والله أعلم.
وقوله: { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }.
قال أبو عوسجة: سرباً، أي: دخل في البحر كما يدخل في السرب، والسرب: هو داخل الأرض يقال بالفارسية: سمج.
وقال القتبي: سرباً، أي: مذهباً ومسلكاً.
وقول أهل التأويل: إن الحوت كان مشويّاً فأحياه الله.
وقال بعضهم: كان طريا.
ولكن ليس لنا إلى معرفة الحوت أنه كان مشويّاً أو طريّاً حاجة، وهو قادر على أن يحييه مشويّاً أو طريّاً في أي حال كان، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا جَاوَزَا }.
يعني: مكانه.
{ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً }.
فيه دلالة: أن لا بأس للرجل إذا أصابته مشقة وجهد أن يذكر أصابني كذا، وللمريض يقول: بي من المرض كذا، ولا يخرج ذلك مخرج الشكوى والجزع عن الله؛ حيث قال موسى: { لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً }: تعباً وجهداً.
وقوله: { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }.
وفي حرف ابن مسعود: (أن أذكر له).
قال الحسن: لم يكن نسيه؛ ولكن تركه متعمداً مضيعاً، وإنما أضاف إلى الشيطان؛ يقول: إن الشيطان حملني حتى تركت ذكره لك، وكذلك يقول في قوله في قصة آدم:
{ فَنَسِيَ } [طه: 88]، أي: ضيع أمره وتركه، ونحوه من المحال، ولكن لا يحتمل أن يترك أن يذكر له عمداً، والشيطان مما يسعى بالحيلولة في مثل هذا: في أمر الدّين، وفي النعم إذا كثرت واتسعت على إنسان؛ فيسعى بالإنساء في مثله.
وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً }.
قال بعضهم: عجب موسى من الفتى أن كيف نسي أن يذكره، وقد احتاج إلى أن يتحمل مؤنة عظيمة في حمله؟!
وقال بعضهم: عجب موسى منه حين يبس له الماء وأثره فيه، والله أعلم.
ثم ذكر موسى بخبر الحوت، وما صنع فقال.
{ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ }.
أي: نطلب من حاجتنا من الظفر بذلك الرجل، يقول ذلك لفتاه.
ثم في الآية وجوه من الفوائد:
أحدها: أن يلزم الإنسان طلب العلم واقتباسه؛ إذ كان به وبالناس حاجة إليه، وإن بعدت الشقة ونأى الموضع؛ حيث قال موسى: { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }.
وفيه: أن لا بأس لاثنين أن يسافرا ولا كل واحد واثنين يكونان شيطانين، على ما ذكر في بعض الأخبار:
"إِنَّ الوَاحِدَ شَيْطَان، والاثْنَيْنِ شَيْطَانَانِ" ، ولكن واحداً دون واحد، واثنين دون اثنين.
وفي: أنه لا يسافر إلا بالزاد؛ حيث تزود موسى والفتى الحوت الذي ذكر حين خرجا إلى حيث أمر موسى أن يخرج في مجمع البحرين: فأمَّا أهل التأويل فإنهم قالوا جميعاً: إنه أمر موسى أن يأتي الخضر؛ ليتعلم منه العلم، ولكن ليس في القرآن ذكر الخضر؛ إنما فيه ذكر عبد من عباده؛ حيث قال: { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ }.
وفيه: أن الثنيا إنما تلزم في كل فعل مستقبل مما يشك فيه ويرتاب، فأما ما كان سبيل معرفته الوحي واليقين - فإنه لا يستثنى فيه حيث قال موسى لفتاه { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }: قال ذلك من غير ثنيا؛ لأنه - عز وجل - أمره أن يأتيه، ولا يحتمل أن يؤمر بالإتيان في مكان، ثم هو يشك أنه لعله لا يأتيه؛ لذلك قطع القول فيه، وكذلك قول ذلك العبد الصالح لموسى: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }: قطع القول فيه من غير ثنيا؛ لأنه علم بالوحي أنه لا يصبر على ما يرى منه، وأمَّا موسى فإنه قد استثنى فيما وعد أنه يصبر؛ لأنه أضاف إلى حادث من الأوقات على الشك منه أنه يصبر أو لا يصبر، وعلى الارتياب ليس على اليقين، فقال: { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } مما ذكرنا.
وفيه: أن الرجل إذا اختلف إلى عالم يقتبس منه العلم ويتعلم منه، فرأى منه مناكير ومظالم - يلزمه أن يفارقه، ولا يتعلم منه العلم؛ كصنيع موسى بصاحبه؛ لما رأى؛ من خرق السفينة، وقتل الغلام، وغيره مما كان منكرا وظلما في الظاهر، وإن كان ما فعل هو فعل الأمر كره موسى صحبته، وندم على ذلك أشدّ الندامة حتى جعله على علم من ذلك كله، فهكذا الواجب على الرجل إذا رأى مناكير من الذي يأخذ منه العلم ومظالم أن يفارقه ولا يأخذ من علمه، والله أعلم.
وفي قوله: { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } دلالة أن الاختيار والمستحب في الثنيا أن يكون في ابتداء الكلام؛ لأن موسى ابتدأ به، وكذلك قوله:
{ وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة: 70]، فإذا تركه في أول كلامه أو نسي يستثنى في آخره؛ فيعمل عمله في دفع الخلف في الوعد والكذب، وعلى هذا تأوّل بعض النّاس قوله: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24]، أي: استثن في آخره إذا نسيت في أوّل كلامك، والله أعلم.
ثم هذه القصص والأنباء التي ذكرت لرسول الله على أثر سؤال كان منهم، على ما ذكرنا في قصة أصحاب الكهف وغيرها من القصص، أو على غير سؤال، ولكن كانت في كتبهم؛ فذكرها له ليعلم أنه إنما عرف بالله تعالى.
ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي أمر موسى على طلب العلم من عند ذلك الرجل وبعثه عليه.
قال بعضهم: وذلك أن موسى قام خطيباً في قومه، فخطب خطبة لم يخطب قط مثلها؛ فأعجبه ذلك، فوقع عنده أن ليس أحد أعلم منه؛ فأخبر أن في مجمع البحرين رجلا أعلم منك؛ فأمر بالمصير إليه والتعلم منه.
وقال بعضهم: لا، ولكن موسى قد أعطي التوراة، وفيها علوم كثيرة؛ فظن أنه ليس أحد أعلم منه؛ فأخبر: أن في مجمع البحرين عبداً من عبادنا أعلم منك؛ فأمر بالمصير إليه. والتعلم منه؛ فإن كان على ما ذكر أهل التأويل من السبب فيخرج الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه مخرج العقوبة له والعتاب لما خطر بباله ووقع في وهمه ما وقع.
وجائز أن يكون الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه ابتداء؛ محنة من الله - تعالى - إياه بتعلم العلم من غير سبب كان [من] موسى على ما يؤمر المرء بتعلم العلم ابتداء من غير سبب؛ محنة من الله يمتحنه بها؛ نحو ما أمر موسى بالمصير إلى طور سيناء، وأعطي هنالك التوراة في الألواح على غير سبب كان منه، ولكن ابتداء محنة يمتحنه بها؛ فعلى ذلك يحتمل أمره له بالمصير إلى ما أمر والتعلم منه ابتداء محنة يمتحنه بها.
وقول أهل التأويل: إن صاحب موسى الذي أمر موسى بالمصير إليه والتعلم منه - الخضر، وفتاه الذي كان يصحبه ويتبعه يوشع بن نون، فذلك لا يعلم إلا بالسمع والخبر عمن يوحى إليه؛ فيعلمه بالوحي، وأمَّا من أخبر بذلك وقاله لا عن وحي - فلا يعلم ذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة؛ إنما الحاجة إلى معرفة ما أودع فيه من أنواع الحكمة والعلوم، وأما ما ذكروا أنه فلان، وأنه كان في موضع كذا في البحر، وأن موسى قال له كذا، وهو قال لموسى كذا - فإن سبيل معرفة ذلك السمع، فإن ثبت السمع فيه، وإلا: لم يجب أن يذكر فيه أكثر مما ذكر في الكتاب؛ لأن هذه الأنباء والقصص التي ذكرت في القرآن إنما ذكرت؛ لتكون آية لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلو قيل فيها ما لم يذكر في كتبهم من الزيادة والنقصان - لكان ذلك سبباً لإكذابه لا تصديقه على ما يدعي من الرسالة.
وقوله - عز وجل -: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ }.
أي: فقد الحوت هو ما كنا نبغي أنه كان ذلك علما لوجود مكان ذلك الرَّجل.
وقوله: { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً }.
قال بعضهم، أي: رجعا عودهما على بدئهما.
[و]قال بعضهم: أي: رجعا يقصان طريقهما وآثارهما الذي مشيا فيه يطلبان المكان الذي فقد الحوت فيه؛ إذ ذلك المكان هو مكان علم وجود ذلك الرجل الذي أمر موسى بالمصير إليه.
وقال بعضهم: اقتفيا أثر الحوت في الماء، لكن الأول أشبه؛ لأن في الآية ذكر آثارهما لا ذكر أثر الحوت.
وقوله: { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا }.
يحتمل قوله: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } النبوة؛ حيث قال لموسى: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }: لا يحتمل أن يقول له هذا إلا على علم وحي، وحيث قال: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي }: أخبر أنه لم يفعل ما فعل عن أمر نفسه، ولكن أمر الله، والله أعلم.
ويحتمل قوله: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } كل خير وبركة أعطاها الله إياه.
أو أن يكون رحمة القلب والشفقة التي كانت منه على أهل السفينة؛ بخرقها، وقتل ذلك الغلام الذي قتله؛ إشفاقاً منه على والديه أو على الناس، وإقامة الجدار الذي كاد أن ينقض فأقامه، وأمثاله.
وقوله: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }: هو ظاهر.
وقوله: { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ }.
في قوله: { هَلْ أَتَّبِعُكَ } دلالة أنه كان على سفر، ولم يكن مقيماً في ذلك المكان، ومن يتعلم من آخر علماً فإنه يتبعه حث يذهب هو في حوائجه لا يؤمر بالمقام حيث يقيم المتعلم؛ لأنه قال: { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ }.
وقوله: { مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }.
يحتمل: أي: أرشدني إلى ما علمت، أو تعلمني مما علمت من الرشد والصواب.
وقوله - تعالى -: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
بما ترى مني من الأمور ما يخرج في الظاهر مخرج المناكير.
أو يقول: إنك نبي ورسول، والرسول إذا رأى منكرا في الظاهر لا يسع له ترك الإنكار عليه والتغيير، وأنت لا تصبر على ما ترى مني؛ لما لم تعرف سببه؛ ألا ترى أنه وسع له الإنكار عليه والتغيير؛ حيث قال له: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }.
أي: ما لم تعلم علماً، والله أعلم.
وقوله: { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً }.
يحتمل أن الثنيا منه على الأمرين جميعاً على الصبر الذي وعد، وعلى قوله: { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً }، ويشبه أن يكون على وعد الصبر خاصة دون قوله: { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً }؛ لأن قوله: { وَلاَ أَعْصِي لَكَ } عهد منه، والثنيا لا يستعمل في العهود، وأما قوله: { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } إنما هو فعل أضافه إلى نفسه، فلا بد من أن يستثني فيه.
وقوله - عز وجل -: { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ }، ما تنكره نفسك وتكرهه، { حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } أني لماذا فعلت ما فعلت؟.