قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
قيل: كانت الأَنصار في الجاهلية يقولون هذا لرسول الله - عليه السلام - فنهاهم الله - تعالى - أَن يقولوها.
وقيل: كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا من الرعونة؛ من قولك للرجل: يا أَرعن، وللمرأَة يا: رعناء.
وكان الحسن يقرؤها: (راعناً) بالتنوين.
وقال الكلبيُّ: كان في كلام اليهود { رَاعِنَا } سبّاً قبيحاً؛ يسب بعضهم بعضاً، وكانوا يأْتون محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فيقولون: راعنا، ويضحكون، فنهى المؤمنين عن ذلك خلافاً لهم.
وقوله: { وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا }.
قيل: فهمنا بقولٍ بيِّنٍ لنا.
وقال مقاتل: أَي اقصدنا.
وقيل: إن الأَمر بالإنظار يقع موقع التشفع في النظرة لوجهين: بالصحبة مرةً، وبالخطاب ثانياً فقولهم: { ٱنْظُرْنَا } لما لا يبلغ أفهامنا القدر الذي يعني ما يخاطبنا به.
والثاني: على قصور عقولهم عما يستحقه من الصحبة والإيجاب له صلى الله عليه وسلم.
فأَما الأَمر بـ"راعنا"، فهو استعمال في الظاهر بالمراعاة، وذلك يخرج على التكبر عليه، وترك التواضع له، والخضوع.
وقوله: { وَٱسْمَعُواْ }.
أَي: أَجيبوا له.
وقيل: أَطيعوا له.
وقيل: { وَٱسْمَعُواْ } أَي: اسمعوا وَعُوا.
وقوله: { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ }.
{ مَّا يَوَدُّ } أي: ما يريد وما يتمنى { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } اليهود والنصارى { وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ما يود هؤلاء { أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ }.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أَنهم كانوا يَهوون ويحبون أَن يبعث الرسول من أَولاد إِسرائيل وهم كانوا من نسله. فلما بعث من أَولاد إسماعيل - عليه السلام - على خلاف ما أَحبوا وهَووا، لم تطب أَنفسُهم بذلك، بل كرهت، وأَبت أَشدَّ الإِباءِ والكراهية.
والثاني: لم يُحبُّوا ذلك؛ لما كانت تذهب منَافعُهم التي كانت لهم، والرياسةُ بخروجه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقوله: { مِّنْ خَيْرٍ }.
قيل: الخير؛ النبوة.
وقيل: الخير؛ الإسلام.
وقيل: الخير؛ الرسول هاهنا، والله أعلم.
وقوله: { وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }.
تنقض على المعتزلة قولَهم؛ لأَنهم يقولون: إن على الله أَن يعطيَ لكلٍّ الأَصلحَ في الدين، في كل وقتٍ، وكل زمانٍ.
فلو كان عليه ذلك لم يكن للاختصاص معنى، ولا وجه.
والثاني: قال: { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } والمفضل عند الخلق هو الذى يُعطِي ويَبْذُل ما ليس عليه، لا ما عليه، لأَن من عليه شيء فأَعطاه، أَو قضى ما عليه من الدَّيْن، لا يوصف بالإفضال؛ فدل أَنه استوجب ذلك الاختصاص، وذلك الفضل، لما لم يكن عليه ذلك، ولو كان عليه لكان يقول: ذو العدل، لا ذو الفضل، وبالله التوفيق.