التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
٢٥٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

تأويلات أهل السنة

قوله: { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.
قوله: { ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }.
يحتمل: تفضيل بعضهم على بعض ما ذكر { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ }، ومنهم من اتخذه خليلاً، ومنهم من سخر له الريح والطير، ما كان في الأنبياء مثله.
ويحتمل: { بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }، في الحجاج، والحجج على القوم؛ لأن فيهم من كان أكثر محاجة لقومه وأعظم حججاً، وهو إبراهيم، صلوات الله عليه وسلامه، وموسى.
ويحتمل: "التفضيل" التمكين في الأرض، مكن لبعضهم ما لم يكن للباقين.
ويحتمل: ذلك في الآخرة في الشفاعة، ورفع الدرجات.
ويحتمل: { بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }، في الرسالة؛ لأن منهم من أرسل إلى الإنس والجن جميعاً، ومنهم من أرسل إلى الإنس خاصة، [ومنهم من أرسل إلى قومه خاصة] ومنهم من أرسل إلى نفر. والله أعلم.
وقد ذكرنا ألا يكون من الله تفضيل لبعض الرسل على بعض على قول المعتزلة؛ لأنه [فعل] ما عليه أن يفعل، وكل من فعل ما عليه أن يفعل، فإنه لا يوصف بالفضل والإفضال؛ دل أنه ليس على ما يقولون ويذهبون إليه.
وقوله: { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ }، قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } هذه الآية والآيتان من بعدها - قوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ }، وقوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }، على المعتزلة. لأنه أخبر أنه لو شاء ألا يقتتلوا ما اقتتلوا. وهم يقولون: شاء ألا يقتتلوا، ولكن اقتتلوا. والاقتتال هو فعل اثنين، وفيهم من اقتتل ظالما، وفيهم من اقتتل غير ظالم، دليله قوله: { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ }، ثم قال: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ }، أخبر أنه لو شاء ألا يقتتلوا ما اقتتلوا وأخبر أنه يفعل ما يريد ثبت الفعل في الإرادة وهم يقولون لا يفعل ما يريد.
وكذلك قوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } أخبر أنه لو شاء ما اختلفوا وهم يقولون: شاء ألا يختلفوا ولكن اختلفوا ثم لا يجوز صرف الآية إلى مشيئة القسر والجبر؛ لأن المشيئة التي ذكرها الله تعالى معروفة في الناس فلا يجوز صرفها إلى غير المشيئة المعروفة إلا بعد تقدم ذكر أو بيان أنها هي المرادة وقوله: { مَا ٱقْتَتَلُواْ } ولا اختلفوا فجعلهم على أمر واحد ودين واحد كقوله:
{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } [هود: 118] والمعتزلة يقولون: شاء أن يصيروا أمة واحدة ولكن لم يصيروا فنعوذ بالله من السرف في القول والقول في الله بما لا يليق به.
وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم } يحتمل الأمر بالإنفاق، أمر بتقديم الطاعات والمسارعة إلى الخيرات قبل أن يأتي يوم يمنعه ويعجزه عن ذلك وهو الموت.
ويحتمل أمره بالإنفاق من الأموال في طاعة الله من قبل أن يأتى يوم، وهو يوم القيامة { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } قيل: لا فداء، و{ وَلاَ خُلَّةٌ }، { وَلاَ شَفَاعَةٌ }.
يحتمل قوله: { وَلاَ خُلَّةٌ } أي لا ينفع خليل خليله كما ينفع في الدنيا وكذلك لا شفيع تنفع شفاعته كما تنفع في الدنيا.
ويحتمل: { وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ }، أي: لا ينفع أحد أحدا، ولا يخال أحد أحدا، ولا يشفع أحدا أحدا.
ويحتمل: { يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ }، أنهم يملكون بيع أنفسهم من الله تعالى ما داموا أحياء، فإذا ماتوا لم يملكوا، كقوله تعالى:
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } [التوبة: 111]. فأول الآية وإن خرج الخطاب للمؤمنين فالوصف فيها وصف الكافرين، لكن فيها زجر للمؤمنين مثل صنيع الكفار.
وقوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } قيل: الله هو اسم المعبود، وكذلك تسمي العرب كل معبود إلها ومعناه - والله أعلم - أن الذي يستحق العبادة ويحق أن يعبد هو الله الذي لا إله إلا هو لا الذي تعبدونه أنتم من الأوثان والأصنام التي لا تنفعكم عبادتكم إياها ولا يضركم ترككم العبادة لها.
ويحتمل أن يكون على إضمار: أن قل الله الذي لا إله إلا هو لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويقرون بالإله؛ كقوله عز وجل
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان: 25] وكقوله: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [المؤمنون: 86-87] وكقوله: { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [المؤمنون: 88-89] فإذا كانوا يقرون به فأخبرهم أن الذي يقرون به ويسمونه هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ويحتمل أن يكون لقوم من أهل الإسلام عرفوا الله تعالى وآمنوا به، ولم يعرفوا نعته وصفته فعلمهم نعته وصفته أنه الحي القيوم إلى آخر.