التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي
٩٠
قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ
٩١
قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ
٩٢
أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
٩٣
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
٩٤
-طه

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ }.
يذكر - والله [أعلم] - بهذا رسوله: أن الذين كذبوك وجحدوا رسالتك لم يكذبوك لجهلهم بالرسالة، ولكن لتعنتهم وعنادهم على ما ذكروا نبأه من قول هارون لقومه لما عبدوا العجل حيث قال: { يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } فكأنه يؤيسه عن إيمان أولئك لعنادهم، وهو ما قال:
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [البقرة: 75].
وقوله: { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: { فُتِنتُمْ }، أي: صرتم مفتونين بالعجل بصوته وخواره أو بغيره.
والثاني: { فُتِنتُمْ } أي: ضللتم به، أي: بالعجل وإن ربكم الرحمن.
وقوله - عز وجل -: { فَٱتَّبِعُونِي }، أي: أجيبوا لي إلى ما أدعوكم به { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي }، أي: ما آمركم به.
وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ }.
قال بعضهم: { لَن نَّبْرَحَ }، أي: لن نزال على عبادة العجل مقيمين حتى يرجع إلينا موسى.
وقال بعضهم: { لَن نَّبْرَحَ }، أي: لن نفارق عبادته، ثم قال موسى: { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } هذا يدل أن قول هارون لهم: { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } أراد به: الضلال؛ حيث قال له موسى: { إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } يحتمل { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ }، أي: ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا صرت إلى ما كنت صرت أنا؟ وقد علمت إلى أين صرت أنا، أو أن يكون قوله: { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ }، أي: ألا تتبع ديني وسنتي وكانت [سنته] ومذهبه القتال والحرب معهم إذا ضلوا وتركوا دين الله.
فاعتذر إليه هارون فقال: { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }، هذا أيضاً يخرج على وجهين:
أحدهما: أني خشيت إن اتبعتك وصرت إلى ما صرت أنت تقول لي: { فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ }؛ لأنك لو نهيتهم عما اختاروا من عبادة العجل وبينت لهم السبيل لعلهم يتبعونك، فحيث لم تفعل فأنت الذي فرقت بينهم.
والثاني: على تأويل القتال والحرب في قوله: { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } إني خشيت لو قاتلتهم ونصبت الحرب بينهم صاروا فريقين، فإذا تفرقوا اقتتلوا وسفكوا الدماء وتفانوا، فترك القتال لما أطمعوه الإيمان إذا رجع إليهم موسى ونهاهم عن ذلك، فلعل سنته في القتال مع من لم يطمع منه الإيمان، هذا على تأويل من يقول بأن هارون اعتزلهم لما عبدوا العجل مع عشرة آلاف نفر وأكثر أو أقل على ما ذكر.
وأما الحسن فإنه يقول: كلهم قد عبدوا العجل إلا هارون، فعلى قوله لا يحتمل الحرب والقتال معهم.
وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }.
قيل: هو ما قال:
{ وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 142]، ودل قوله: { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } بأن كان له الشعر، فكنى بالرأس عن الشعر.