التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
١٤
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
١٥
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ
١٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١٧
-الحج

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.
المعتزلة كذبت هذه الآية والآية التي تلي هذه الآية، وهو قوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }؛ لأنهم يقولون: أراد إيمان جميع الخلائق ثمّ لم يفعل ذلك، وأراد جميع الخيرات والكف عن الشرور ثم لم يقدر على وفاء ما أراد، ويقولون: لا صنع له في أفعال العباد، ولا تدبير؛ فعلى قولهم: لم يفعل الله مما أراد واحداً من ألوف، ويقولون: إن الله أراد هدى جميع الخلائق، لكنهم لم يهتدوا، وهو أخبر أنّه يهدي من يريد، وهم يقولون: يريد هدى الخلق كلهم فلم يهتدوا.
ونحن نقول: من أراد الله هداه اهتدى، وما أراد أن يفعل فعل، وهو ما أخبر
{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] أخبر أنه يفعل ما يريد، فيخرج على قولهم على أحد الوجهين: إمّا على الخلاف في الوعد، وإمّا على الكذب في القول والخبر، فنعوذ بالله من السرف في القول.
وقوله - عز وجل -: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }.
تأويل الآية - عندنا - يخرج على وجهين:
أحدهما: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً - عليه أفضل الصلوات - ثم نصره، فغاظه نصره إياه فيدوم غيظه - { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي: بحبل من السماء فيخنق ويقتل نفسه؛ ليذهب غيظه الذي غاظه نصره؛ يستريح مما غاظه.
والثاني: يخرج على الوعد بالنصر والخبر: أنه ينصره، يقول: من كان يظن أن ما وعد له من النصرة، لا يفعل ذلك له، ولا ينصره، ولا ينجز ما وعد؛ { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ }، أي: ليحبس ما وعد له من النصر؛ إن غاظه ما وعد؛ ليذهب غيظه الذي غاظه؛ فعلى هذا التأويل يكون السماء سماء الأصل، أي: يحبس السبب الّذي ينزل من السماء.
قال بعضهم: قوله: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ } أن لن يرزقه الله، ويجعله صلة قوله:
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [الحج: 11] لأنه يجعل الآية في أهل النفاق، يقول: من كان يظن من أهل النفاق: أن الله لا يرزقه إذا كان في ذلك الدّين الذي كان فيه ودام - فليمدد بما ذكر.
وقال مجاهد: { كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }، قال ذلك خيفة ألا يرزق.
وأهل التأويل صرفوا السماء إلى سقف البيت، ويقولون: القطع: الخنق.
وقال القتبي: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } أي: لن يرزقه الله وهو قول أبي عبيدة يقال: مطر ناصر، وأرض منصورة، أي: ممطورة.
وقال المفسرون: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ }، أي: بحبل إلى سقف البيت، { ثُمَّ لْيَقْطَعْ }، أي: ليختنق: { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } - أي: حليته - غيظه، أي: ليجهد جهده.
وقال أبو عوسجة: { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } قال: هذا شيء لا يكون ولا يقدر عليه، وهذا ذم للمقول فيه؛ لأنه جعل السماء سماء الأصل، وقوله: { فَلْيَمْدُدْ } أي: يمد يده.
وقوله: [{ بِسَبَبٍ }] السبب في الأصل: الحبل، أي: يعلق سببا فيرتقي في السماء، والسبب: الحمار، وسبوب جمع، أي: حمر.
قال: والسبب: الحبل بلغة هذيل.
وقوله: { مَا يَغِيظُ }: هو شدة الغضب.
وقوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي: مثل هذا، وهكذا أنزلناه آيات بينات، يبين ما لهم وما عليهم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ }: أما الصابئون: فإن الناس اختلفوا فيهم:
قال أهل التأويل: هم عبّاد الملائكة، وقد ذكرنا أقاويلهم فيه في سورة المائدة، فتركنا ذكره هاهنا لذلك.
{ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ }: قيل: هم المشركون من العرب، وهم عبدة الأوثان والأصنام.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ }.
يحتمل قوله: { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ }، أي: يحكم بين هؤلاء يوم القيامة؛ لاختلافهم في الدنيا، كقوله:
{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } [البقرة: 113] ثم قال: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [البقرة: 113] أي: يحكم بين هؤلاء يوم القيامة، فالفصل بينهم يوم القيامة هو الحكم الذي ذكر فيه هذه الآية.
ويحتمل قوله: { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } في المقام: يبعث هؤلاء إلى الجنة، وهؤلاء إلى النار؛ فذلك الفصل بينهم.
وجائز أن يكون قوله: { يَفْصِلُ } أي: يبين لهم الحق من الباطل؛ حتى يقروا جميعاً بالحق ويؤمنوا به، لكن لا ينفعهم ذلك يومئذ.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } من أعمالهم، وأفعالهم، وإقرارهم، وأقوالهم، وجميع ما كان منهم.