التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
١
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ
٢
-الحج

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } قد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } قال الحسن: إن بين يدي السّاعة آيات تحجبن التوبة وقبول الإيمان، منها: الزلزلة التي ذكر، ومنها: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدجّال، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وأمثاله، وهو كقوله:
{ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } [الأنعام: 158].
وجائز - عندنا - أن تكون هذه الآيات غاية لقبول التوبة والإيمان، يقبل إلى ذلك الوقت، ولا يقبل بعد ذلك وإن تابوا وآمنوا.
أو أن يكون قوله:
{ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا } [الأنعام: 158]؛ لأنهم لا يؤمنون لما تشغلهم تلك الآيات عن ذلك فلا يؤمنون؛ لأن تلك الآيات تعم الخلائق كلهم: المؤمن والكافر جميعاً؛ فلا يعرف المبطل والضال أنه على الضلال والباطل، فيرجع إلى الهدى والحق، ليس كعذاب ينزل على قوم خاصة؛ لأن ذلك يعرف أولئك أنه إنما ينزل بهم خاصّة؛ لما فيهم من التكذيب والعناد، وإذا كانت الآيات عامة، لم يعرف أهل الضلال أنهم على باطل، وأنه إنما ينزل بسببهم؛ لما يرونه أنه قد عمّ الخلائق كلها، فقوله: { لاَ يَنفَعُ } [الأنعام: 158]؛ لأنهم لا يؤمنون، كقوله: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [المدثر: 48] أي: لا يكون لهم من يشفع، ليس أن يكون لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: { لاَ يَنفَعُ } لأنهم يشغلون عن الإيمان فلا يؤمنون، فلا ينفع لهم، على ما ذكرنا.
ثم اختلف فيه:
قال بعضهم: { زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ }: قبل الساعة، وقيل: القيامة.
وقال بعضهم: { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ } هي الساعة، وصفها بالشدّة والفزع فقال: { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ } أي: تشغل كل مرضعة؛ لشدّة أهوالها وأفزاعها { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } هذا على قول من يقول: إن زلزلة الساعة قبل السّاعة يكون على التحقيق، أي: تذهل عما أرضعت، وتضع حملها؛ لأنها تكون في ذلك الوقت مرضعاً وحاملا؛ فتذهل - لأهوال ذلك وأفزاعه - عن ولدها، وتضع ما في بطنها، كقوله:
{ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ... } الآية [عبس: 34]، فذكر هؤلاء؛ لأن من أصاب شيئاً من البلاء في هذه الدنيا يفزع إلى هؤلاء، فيخبر أن في ذلك اليوم يفر بعض من بعض لشدة ذلك اليوم وهوله؛ لشغله بنفسه.
وعلى قول من يقول: إن زلزلة الساعة هي الساعة؛ فيخرج قوله: { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ... } الآية على التمثيل، أي: تذهل عما أرضعت أن لو كانت مرضعة، وتضع حملها أن لو كانت حاملا؛ لشدته وهوله. والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } أي: من مكن له وقوي يرى الناس كأنّهم سكارى وما هم بسكارى، وإلا لم يجز أن يراهم سكارى وليسوا هم بسكارى في الحقيقة.
وإنما قلنا: إنه يرى من مكنّ له وقوي، وإلا لو كانوا كلهم سكارى، لكان لا يراهم سكارى؛ لأن السكران لا يرى من كان في مثل حاله سكران.
أو أن يكون خاطب به رسوله، ولا يكون فيه ذلك الهول الذي يكون في غيره.
أو أن يكون ذلك على التمثيل، وليس على التحقيق.
وقول أهل التأويل: يقول لآدم في ذلك: "قم فابعث بعث النار"، فيقول: يا ربّ كم؟ فيقول:
"من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار، وواحد في الجنة" ، ويروون الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ثبت ما روي عنه في ذلك وإلا الكف عن مثله أولى؛ لأنه يحزن حيث يؤمر أن يتولى بعث ولده إلى النار من غير أن كان ما يستوجب هذه العقوبة.
قال القتبي: { تَذْهَلُ }: أي تسلو عن ولدها وتتركه.
وقال أبو عوسجة: { تَذْهَلُ }: أي: تنسى، يقال: ذهل يذهل ذهولا، وأذهلته؛ أي: أنسيته.
وقال غيره: أي: تشغل، والحمل بالنصب: ما في البطن، والحمل بالخفض: ما على الظهر، والزلزلة: الرجفة، يقال: زلزلت، أي: حركت، وتزلزلت، أي: تحركت.