التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً
٣٥
فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
٣٦
وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً
٤٠
-الفرقان

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة، { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً }: ذكر هاهنا أنه كان وزيرا له، وذكر في آية أخرى: { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } [طه: 47]، وفي آية أخرى: أنه كان نبيّاً حيث قال: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } [مريم: 53]، فكان ما ذكر ذلك كله نبيّاً ورسولا، وكان له وزيرا، والوزير هو العون والعضد، فإنه قال: { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } أي: عونا وعضدا؛ كقوله: { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [طه: 29-31]؛ لأنه سأل ربه المعونة له والإشراك في أمره، وقال: { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } [القصص: 34].
وقال الزجاج: الوزير هو الذي يلجأ إليه في النوائب ويعتصم بأمره؛ وهو واحد.
وقوله: { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } أي: أهلكناهم إهلاكا.
وقوله: { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ }: جائز أن يكون قوله: { لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } نوحاً خاصة؛ لأنه ذكر قوم نوح، فإن كان ذلك، ففيه دلالة جواز تسمية الواحد باسم الجماعة.
وجائز أن يكون نوح دعاهم إلى الإيمان وتصديق الرسل، فكذبوه وكذبوا الرسل جميعاً، والله أعلم.
وقوله: { أَغْرَقْنَاهُمْ }: لم يغرقهم على أثر تكذيبهم إياه، ولكن إنما أغرقهم بعدما دعاهم ألف سنة إلى خمسين عاماً.
وقوله: { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً }: يحتمل قوله: { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أي: آية للمكذبين والمصدقين، لما بين حكمه في المكذبين منهم: الإهلاك والاستئصال، وفي المصدقين منهم: النجاة والخلاص منه، فذلك آية لكل مكذب ومصدق؛ لما إليه يئول عاقبة أمرهم: عاقبة المكذبين: الإهلاك، وعاقبة المصدقين: النجاة.
فإن قيل: إنهم جميعاً قد هلكوا المصدقون منهم والمكذبون، قيل: أهلك المكذبون منهم إهلاك عقوبة وتعذيب، والمصدقون هلاكهم بانقضاء آجالهم لا هلاك عقوبة.
ثم ذكر: { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } فمعنى جعل أنفسهم آية ما ذكرنا.
وقال في آية أخرى:
{ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 15] أي: السفينة.
قال بعضهم: جعل السفينة آية؛ لأن من طبع السفن أنها إذا امتدت الأوقات وطال الزمان أنها تفسد وتتلاشى، وهي بعد باقية كما هي - أعني: سفينة نوح - لكن ذلك لا يعلم أنه كما ذكر أو لا، فالوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله: { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً }: هكذا جزاء كل ظالم - ظلم كفر وشرك - أن يعد له العذاب الأليم.
وقوله: { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً }: أخبر أنه أهلك هؤلاء كلهم بالتكذيب: عادا وهم قوم هود، وثمودا وهم قوم صالح، وأصحاب الرس: قال بعضهم: سموا أصحاب الرس؛ لأنهم رسوا نبيهم في بئر، أي: رسوه فيها.
وقال بعضهم: الرس: هو اسم لبئر كانوا نزولا عليها، فبعث إليها شعيباً فكذبوه، فسموا بذلك ونسبوا إلى تلك البئر.
وعن ابن عباس: أنه سأل كعباً عن أصحاب الرس فقال: إنكم معاشر العرب تدعون البئر: رسا، والقبر: رسا، وتدعون الخد: رسا، فخدوا خدوداً في الأرض فأوقدوا فيها النيران للرسولين اللذين ذكر الله في يس:
{ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [يس: 14]، والله أعلم.
وقوله: { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } أي: ذكرنا لأهل مكة أمثال من تقدم منهم من الأمم من المكذبين والمصدقين، وما حل بهم وما إليه آل عاقبة أمورهم بالتكذيب، حيث قال: { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } أي: أهلكنا إهلاكاً.
وقال بعضهم: { تَبَّرْنَا } أي: كسرنا بالنبطية، يقول أحدهم للشيء إذا أراد أن يكسره: أتبره.
وقوله: { وَلَقَدْ أَتَوْا }: يعني والله أعلم: أهل مكة، { عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ }: وهي الحجارة، يعني - والله أعلم -: قريات لوط، أي: يمر عليهم أهل مكة في تجارتهم ويأتونها؛ وهو كما قال في الصافات:
{ وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ... } الآية [الصافات: 137].
{ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا }: ما حلّ بهم بالتكذيب فيعتبروا، { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } أي: بعثاً بعد الموت وإحياء، أي: إنما كذبوا الرسل؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث ولا يخافون نشورا.