التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً
٤١
إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً
٤٢
أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً
٤٣
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
٤٤
-الفرقان

تأويلات أهل السنة

قوله: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً }: كانوا إذا رأوه هزئوا به، إذا خلا بعضهم إلى بعض يقولون فيما بينهم: أبعث الله بشراً رسولا، هكذا كانت عادة الكفرة يهزءون به إذا حضروه، وإذا غابوا عنه قالوا ما ذكر.
وقوله: { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا }: في قوله: { كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } دلالة أنه إنما أراد أن يضلهم عن عبادتهم الأصنام بالحجج والآيات؛ إذ ليس في وسع النبي صرفهم ومنعهم عن ذلك إلا من وجه لزوم الآيات والحجج، إلا أنهم رفضوا تلك الآيات والحجج، وكابروها وثبتوا على عبادة الأصنام والأوثان، وإلا علموا - من جهة الآيات والحجج التي أقامها عليهم - أنه على الحق، وأنهم على باطل.
ثم قوله: { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } أي: يعلمون حين لا يقدرون على الجحود والإنكار إذا أنزل بهم العذاب، ووقع: من أضل سبيلا هم أو المؤمنون؟ لأنهم وإن علموا بالآيات والحجج أنه على الحق، وأنهم على باطل، وعلموا الموعود من العذاب فأخبر أنهم يعلمون عند وقوعه بهم علما لا يقدرون على جحوده ولا إنكاره؛ كقوله:
{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [غافر: 84] وهذه الآية، وقوله: { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [الأعراف: 53]، وقوله: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [السجدة: 12]، وأمثال ذلك إذا عاينوا الموعود في الدنيا يقرون به لا يقدرون على الجحود؛ فكذلك قوله: { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } علما لا يقدرون على الإنكار والجحود { حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً }.
وقوله: { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }: قال بعضهم: إنهم كانوا يعبدون أشياء حجراً أو غيره، فإذا رأوا أحسن منه في رأي العين والمنظر، تركوا عبادة ذاك، وعبدوا ما هو أحسن منه.
وقال بعضهم: كلما هوت أنفسهم شيئاً عبدوه، وكلما اشتهوا شيئاً أتوه، لا يحجزهم عن ذلك ورع ولا تقوى لله.
ويحتمل وجهين آخرين سوى [ما] ذكر هؤلاء:
أحدهما: تركوا عبادة الإله الذي قامت الحجج والآيات بألوهيته وربوبيته، ولزموا عبادة من لم يقم له الآيات والحجج بذلك بهواهم.
والثاني: أنهم عبدوا ما عبدوا من الأصنام بلا أمر كان لهم بالعبادة؛ لا بدّ من أمر يؤتمر بها، بل عبدوا بهواهم، أو كلام نحو هذا.
وقوله: { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } أي: لست أنت بوكيل ولا مسلط عليهم ولا حافظ، أي: لا تسأل أنت عن أعمالهم ولا تحاسب عليها، بل هم المسئولون عنها، وهم محاسبون عليها؛ كقوله:
{ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 52]؛ وكقوله: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ... } الآية [النور: 54]، والله أعلم.
وقوله: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ }: قوله: { أَمْ تَحْسَبُ } وإن كان في الظاهر استفهاماً، فهو في الحقيقة على الإيجاب، وهكذا كل استفهام من الله يخرج على الإيجاب أو على النهي؛ كأنه قال: قد حسبت أكثرهم يسمعون أو يعقلون، أي: لا ينتفعون بما يعقلون.
{ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }: قال بعضهم: كالأنعام لأن همتهم ليست إلا كهمة الأنعام، وهو الأكل والشرب، ليست لهم همة سواه، ليس للأنعام همة العاقبة، فعلى ذلك الكفرة فهم كالأنعام من هذه الجهة.
وقوله: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ }: قال قائلون: قوله: { أَضَلُّ } لأن الأنعام تعرف ربها وخالقها وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه.
أو هم أضل لأنهم ينسبون إلى الله ما لا يليق به من الولد والشريك، ويشركون غيره في العبادةِ والأنعامُ لا، فهم أضل.
وقال بعضهم: هم أضل؛ لأن الأنعام إذا هديت الطريق اهتدت، وهم يهدون ويدعون إلى الطريق فلا يهتدون ولا يجيبون فهم أضل.
أو أن يقال: هم أضل لأنهم يَضلون ويُضلون غيرهم ويمنعونهم عن الهدى، والأنعام لا، والله أعلم.